للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الْقَاضِي، فِيمَا إذَا نَظَرَ إلَى امْرَأَتِهِ، وَأَجْنَبِيَّةٍ، فَقَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ. وَقَالَ: أَرَدْت الْأَجْنَبِيَّةَ. فَهَلْ يُقْبَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُقْبَلُ هَاهُنَا، وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا إذَا قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ. وَقَالَ: أَرَدْت أَجْنَبِيَّةً اسْمُهَا زَيْنَبُ. لِأَنَّ زَيْنَبَ لَا يَتَنَاوَلُ الْأَجْنَبِيَّةَ بِصَرِيحِهِ، بَلْ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ، وَقَدْ عَارِضَهُ دَلِيلٌ آخِرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ غَيْرَ زَوْجَتِهِ أَظْهَرُ، فَصَارَ اللَّفْظُ فِي زَوْجَتِهِ أَظْهَرَ، فَلَمْ يُقْبَلْ خِلَافُهُ، أَمَّا إذَا قَالَ: إحْدَاهُمَا. فَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَجْنَبِيَّةَ بِصَرِيحِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَبُو ثَوْرٍ: يُقْبَلُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ.

وَلَنَا، أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ امْرَأَتِهِ عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، فَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِهَا، كَمَا لَوْ فَسَّرَ كَلَامَهُ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ، وَكَمَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ طَالِقٌ. عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الْفَرْقِ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ إحْدَاكُمَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، إنَّمَا يَتَنَاوَلُ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا، وَزَيْنَبُ يَتَنَاوَلُ وَاحِدَةً لَا بِعَيْنِهَا، ثُمَّ تَعَيَّنَتْ الزَّوْجَةُ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الطَّلَاقِ، وَخِطَابُ غَيْرِهَا بِهِ عَبَثٌ، كَمَا إذَا قَالَ: إحْدَاكُمَا طَالِقٌ. ثُمَّ لَوْ تَنَاوَلَهَا بِصَرِيحِهِ لَكِنَّهُ صَرَفَهُ عَنْهَا دَلِيلٌ، فَصَارَ ظَاهِرًا فِي غَيْرِهَا، وَلَمَّا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ: " أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ ". لَمْ يَنْصَرِفْ إلَّا إلَى الْكَاذِبِ مِنْهُمَا وَحْدَهُ، وَلَمَّا قَالَ حَسَّانُ، يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبَا سُفْيَانَ: فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا الْفِدَاءُ لَمْ يَنْصَرِفْ شَرُّهُمَا إلَّا إلَى أَبِي سُفْيَان وَحْدَهُ، وَخَيْرُهُمَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَحْدَهُ.

وَهَذَا فِي الْحُكْمِ، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَدِينُ فِيهِ، فَمَتَى عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ، لَمْ تَطْلُقْ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُقَيَّدٍ. وَلَوْ كَانَتْ ثَمَّ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ الْأَجْنَبِيَّةَ، مِثْلُ أَنْ يَدْفَعَ بِيَمِينِهِ ظُلْمًا، أَوْ يَتَخَلَّصَ بِهَا مِنْ مَكْرُوهٍ، قُبِلَ قَوْلُهُ فِي الْحُكْمِ؛ لِوُجُودِ الدَّلِيلِ الصَّارِفِ إلَيْهَا. وَإِنْ لَمْ يَنْوِ زَوْجَتَهُ، وَلَا الْأَجْنَبِيَّةَ، طَلُقَتْ زَوْجَتُهُ؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الطَّلَاقِ، وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُهَا وَيَصْلُحُ لَهَا، وَلَمْ يَصْرِفْهُ عَنْهَا، فَوَقَعَ بِهِ، كَمَا لَوْ نَوَاهَا.

[فَصْلٌ لَهُ امْرَأَتَانِ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ فَقَالَ يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ]

(٥٨٦٩) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ؛ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ، فَقَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَوْ نَوَى الْمُجِيبَةَ وَحْدَهَا، طَلُقَتْ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهَا الْمُطَلَّقَةُ دُونَ غَيْرِهَا. وَإِنْ قَالَ: مَا خَاطَبْت بِقَوْلِي: أَنْتِ طَالِقٌ. إلَّا حَفْصَةَ، وَكَانَتْ حَاضِرَةً، طَلُقَتْ وَحْدَهَا. وَإِنْ قَالَ: عَلِمْت أَنَّ الْمُجِيبَةَ عَمْرَةُ، فَخَاطَبْتهَا بِالطَّلَاقِ، وَأَرَدْت طَلَاقَ حَفْصَةَ. طَلُقَتَا مَعًا، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. وَإِنْ قَالَ: ظَنَنْت الْمُجِيبَةَ حَفْصَةَ فَطَلَّقْتهَا. طَلُقَتْ حَفْصَةُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي عَمْرَةَ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، تَطْلُقُ أَيْضًا. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَهَا بِالطَّلَاقِ، وَهِيَ مَحِلٌّ لَهُ، فَطَلُقَتْ، كَمَا لَوْ قَصَدَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>