للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِدْخَالِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَكُونُ فِي كُلِّ تَرْقُوَةٍ بَعِيرٌ.

وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَقَتَادَةُ، وَإِسْحَاقُ. وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ، أَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا ذَكَرْنَا حُكُومَةً، وَهُوَ قَوْلُ مَسْرُوقٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ عَظْمٌ بَاطِنٌ، لَا يَخْتَصُّ بِجَمَالِ وَمَنْفَعَةٍ، فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ، كَسَائِرِ أَعْضَاءِ الْبَدَنِ، وَلِأَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَكُونُ بِتَوْقِيفٍ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ، وَلَيْسَ فِي هَذَا تَوْقِيفٌ وَلَا قِيَاسٌ. وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ فِي التَّرْقُوَةِ أَرْبَعِينَ دِينَارًا، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: فِي التَّرْقُوَتَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي إحْدَاهُمَا نِصْفُهَا؛ لِأَنَّهُمَا عُضْوَانِ فِيهِمَا جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ، وَلَيْسَ فِي الْبَدَنِ غَيْرُهُمَا مِنْ جِنْسِهِمَا، فَكَمَلَتْ فِيهِمَا الدِّيَةُ، كَالْيَدَيْنِ.

وَلَنَا، قَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِالْهَاشِمَةِ؛ فَإِنَّهَا كَسْرُ عِظَامٍ بَاطِنَةٍ، وَفِيهَا مُقَدَّرٌ. وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: إنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِجَمَالٍ وَمَنْفَعَةٍ. فَإِنَّ جَمَالَ هَذِهِ الْعِظَامِ وَنَفْعِهَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهَا، وَلَا مُشَارَكَ لَهَا فِيهِ. وَأَمَّا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَمُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ، فَإِنَّنَا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَافَقَهُ فِيهِ.

[مَسْأَلَةٌ دِيَة الزَّنْد]

(٦٩٩٤) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَفِي الزَّنْدِ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ؛ لِأَنَّهُ عَظْمَانِ) قَالَ الْقَاضِي: يَعْنِي بِهِ الزَّنْدَيْنِ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهِمَا أَرْبَعَةَ عِظَامٍ، فَفِي كُلِّ عَظْمٍ بَعِيرٌ. وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: فِيهِ حُكُومَةٌ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. وَلَنَا، مَا رَوَى سَعِيدٌ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ فِي أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ إذَا كُسِرَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: إنَّ فِيهِ بَعِيرَيْنِ، وَإِذَا كُسِرَ الزَّنْدَيْنِ فَفِيهِمَا أَرْبَعَةٌ مِنْ الْإِبِلِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ مِثْلَ ذَلِكَ. وَهَذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ، فَكَانَ إجْمَاعًا.

[فَصْل دِيَة الْعِظَام]

(٦٩٩٥) فَصْلٌ: وَلَا مُقَدَّرَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعِظَامِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ الْقَاضِي: فِي عَظْمِ السَّاقِ بَعِيرَانِ، وَفِي السَّاقَيْنِ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ، وَفِي عَظْمِ الْفَخِذِ بَعِيرَانِ، وَفِي الْفَخِذَيْنِ أَرْبَعَةٌ، فَهَذِهِ تِسْعَةُ عِظَامٍ فِيهَا مُقَدَّرٌ؛ الضِّلَعُ، وَالتَّرْقُوَتَانِ؛ وَالزَّنْدَانِ، وَالسَّاقَانِ، وَالْفَخِذَانِ، وَمَا عَدَاهَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْقَاضِي: فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ بَعِيرَانِ. وَزَادَ أَبُو الْخَطَّابِ عَظْمَ الْقَدَمِ؛ لِمَا رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَضَى فِي الذِّرَاعِ وَالْعَضُدِ وَالْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالزَّنْدِ إذَا كُسِرَ وَاحِدٌ مِنْهَا فَجُبِرَ، وَلَمْ يَكُنْ بِهِ دُحُورٌ يَعْنِي عِوَجًا بِعَيْرٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا دُحُورٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>