الْإِحْرَامُ مِنْ الْحِلَّ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، فَلَوْ أَبَحْنَا لِهَذَا الْإِحْرَامَ مِنْ الْحَرَمِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا تَقَعُ فِي الْحَرَمِ، فَأَشْبَهَ الْمُعْتَمِرَ. وَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ الْحِلِّ، طَافَ لِلزِّيَارَةِ، وَسَعَى إنْ كَانَ لَمْ يَسْعَ فِي حَجِّهِ.
وَإِنْ كَانَ سَعَى، طَافَ لِلزِّيَارَةِ، وَتَحَلَّلَ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِيَأْتِيَ بِهَا فِي إحْرَامٍ صَحِيحٍ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، أَنَّهُ يَعْتَمِرُ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَذَا أَيْضًا، وَسَمَّوْهُ عُمْرَةً؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ أَفْعَالُ الْعُمْرَةِ؛ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا عُمْرَةً حَقِيقِيَّة، فَيَلْزَمُهُ سَعْيٌ وَتَقْصِيرٌ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ: " يُحْرِمُ مِنْ التَّنْعِيمِ ". لَمْ يَذْكُرْهُ لِتَعْيِينِ الْإِحْرَامِ مِنْهُ، بَلْ لِأَنَّهُ حَلَّ، فَمَنْ أَحَلَّ وَأَحْرَمَ جَازَ كَالْمُعْتَمِرِ.
(٢٦٣٠) فَصْلٌ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ حَلَقَ وَمَنْ لَمْ يَحْلِقْ، فِي أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ حَجُّهُ بِالْوَطْءِ بَعْدَ الرَّمْيِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ. هَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَالْخِرَقِيِّ وَمَنْ سَمَّيْنَاهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ، لِتَرْتِيبِهِمْ هَذَا الْحُكْمَ عَلَى الْوَطْءِ بَعْدَ مُجَرَّدِ الرَّمْيِ، مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ أَمْرٍ زَائِدٍ.
[فَصْلٌ طَافَ لِلزِّيَارَةِ وَلَمْ يَرْمِ ثُمَّ وَطِئَ]
(٢٦٣١) فَصْلٌ: فَإِنْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ، وَلَمْ يَرْمِ، ثُمَّ وَطِئَ، لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ قَدْ تَمَّ أَرْكَانُهُ كُلُّهَا، وَلَا يَلْزَمُهُ إحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ، فَإِنَّ الرَّمْيَ لَيْسَ بِرُكْنٍ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ دَمٌ؟ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ قَبْلَ وُجُودِ مَا يَتِمُّ بِهِ التَّحَلُّلُ، فَأَشْبَهَ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْيِ وَقَبْلَ الطَّوَافِ.
[فَصْلٌ فَصْلٌ الْقَارِنُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْيِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ وَلَا عُمْرَتُهُ]
(٢٦٣٢) فَصْلٌ: وَالْقَارِنُ كَالْمُفْرِدِ؛ فَإِنَّهُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ الرَّمْيِ لَمْ يَفْسُدْ حَجُّهُ، وَلَا عُمْرَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْحَجِّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ عُمْرَتِهِ قَبْلَ الطَّوَافِ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَارِنًا، وَلِأَنَّ التَّرْتِيبَ لِلْحَجِّ دُونَهَا، وَالْحَجُّ لَا يَفْسُدُ قَبْلَ الطَّوَافِ، كَذَلِكَ الْعُمْرَةُ. وَقَالَ أَحْمَدُ مَنْ وَطِئَ بَعْدَ الطَّوَافِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ: مَا عَلَيْهِ شَيْءٌ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يُقَبِّلُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، قَبْلَ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، قَدْ قَضَى الْمَنَاسِكَ. فَعَلَى هَذَا، لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ شَيْءٌ.
[مَسْأَلَة نَسِيَ الرَّمْيَ إلَى اللَّيْلِ]
(٢٦٣٣) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمُبَاحٌ لِأَهْلِ السِّقَايَةِ وَالرُّعَاةِ، أَنْ يَرْمُوا بِاللَّيْلِ) تُرْوَى هَذِهِ اللَّفْظَةُ: " الرُّعَاةُ " بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِثْبَاتِ الْهَاءِ، مِثْلُ الدُّعَاةِ وَالْقُضَاةِ. وَالرِّعَاءُ، بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ مِنْ غَيْرِ هَاءٍ، وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} [القصص: ٢٣] . وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ: «أَرْخَصَ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا، وَيَدَعُوا يَوْمًا» . وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِهَؤُلَاءِ الرَّمْيُ بِاللَّيْلِ؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute