وَلَنَا عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ: «خُذْهَا، فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ، أَوْ لِأَخِيكَ، أَوْ لِلذِّئْبِ»
وَهَذَا تَجْوِيزٌ لِلْأَكْلِ، فَإِذَا جَازَ فِيمَا هُوَ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ، فَفِيمَا يَفْسُدُ بِبَقَائِهِ أَوْلَى.
[مَسْأَلَة لَا يَتَعَرَّضُ لِبَعِيرِ وَلَا لِمَا فِيهِ قُوَّةٌ يَمْنَعُ عَنْ نَفْسِهِ]
(٤٥٤٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (وَلَا يَتَعَرَّضُ لِبَعِيرٍ، وَلَا لِمَا فِيهِ قُوَّةٌ يَمْنَعُ عَنْ نَفْسِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ حَيَوَانٍ يَقْوَى عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَوُرُودِ الْمَاءِ، لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَلَا التَّعَرُّضُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَ لِكِبَرِ جُثَّتِهِ، كَالْإِبِلِ، وَالْخَيْلِ، وَالْبَقَرِ، أَوْ لِطَيَرَانِهِ كَالطُّيُورِ كُلِّهَا، أَوْ لِسُرْعَتِهِ، كَالظِّبَاءِ وَالصَّيُودِ، أَوْ بِنَابِهِ كَالْكِلَابِ وَالْفُهُودِ. قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً، فَهُوَ ضَالٌّ. أَيْ مُخْطِئٌ
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، فِي ضَالَّةِ الْإِبِلِ: مَنْ وَجَدَهَا فِي الْقُرَى عَرَّفَهَا، وَمَنْ وَجَدَهَا فِي الصَّحْرَاءِ لَا يَقْرَبُهَا. وَرَوَاهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ. وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَقُولُ: مَنْ وَجَدَ بَدَنَةً فَلْيُعَرِّفْهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَاحِبَهَا فَلْيَنْحَرْهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي لَفْظٍ يُبَاحُ الْتِقَاطُهَا؛ لِأَنَّهَا لُقَطَةٌ أَشْبَهَتْ الْغَنَمَ. وَلَنَا
«قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْهَا: مَا لَك وَلَهَا؟ مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا، تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا. وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نُصِيبُ هَوَامَّ الْإِبِلِ. قَالَ: ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ» . وَرُوِيَ عَنْ «جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ أَمَرَ بِطَرْدِ بَقَرَةٍ لَحِقَتْ بِبَقَرِهِ حَتَّى تَوَارَتْ، وَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا يُؤْوِي الضَّالَّةَ إلَّا ضَالٌّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ. وَقِيَاسُهُمْ يُعَارِضُ صَرِيحَ النَّصِّ، وَكَيْفَ يَجُوزُ تَرْكُ نَصَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَرِيحِ قَوْلِهِ بِقِيَاسِ نَصِّهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرِ، عَلَى أَنَّ الْإِبِلَ تُفَارِقُ الْغَنَمَ، لِضَعْفِهَا، وَقِلَّةِ صَبْرِهَا عَنْ الْمَاءِ.
[فَصْلٌ كَانَتْ الصَّيُودُ مُسْتَوْحِشَةً إذَا تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ وَعَجَزَ عَنْهَا صَاحِبُهَا جَازَ الْتِقَاطُهَا]
(٤٥٤٧) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَتْ الصَّيُودُ مُسْتَوْحِشَةً، إذَا تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلَى الصَّحْرَاءِ، وَعَجَزَ عَنْهَا صَاحِبُهَا، جَازَ الْتِقَاطُهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا أَضْيَعُ لَهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَالْمَقْصُودُ حِفْظُهَا لِصَاحِبِهَا، لَا حِفْظُهَا فِي نَفْسِهَا، وَلَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ حِفْظَهَا فِي أَنْفُسِهَا لَمَا جَازَ الْتِقَاطُ الْأَثْمَانِ، فَإِنَّ الدِّينَارَ دِينَارٌ حَيْثُمَا كَانَ.
[فَصْلٌ الْبَقَرَةُ كَالْإِبِلِ فِي اللُّقَطَة]
(٤٥٤٨) فَصْلٌ: وَالْبَقَرَةُ كَالْإِبِلِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْبَقَرَةَ كَالشَّاةِ
وَلَنَا، خَبَرُ جَرِيرٍ فَإِنَّهُ طَرَدَ الْبَقَرَةَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا، وَلِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ عَنْ صِغَارِ السِّبَاعِ، وَتُجْزِئُ فِي