[بَابُ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى]
بَابُ السَّلَمِ وَهُوَ أَنْ يُسْلِمَ عِوَضًا حَاضِرًا، فِي عِوَضٍ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ إلَى أَجَلٍ، وَيُسَمَّى سَلَمًا، وَسَلَفًا. يُقَالُ: أَسْلَمَ، وَأَسْلَفَ، وَسَلَّفَ. وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، يَنْعَقِدُ بِمَا يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَبِلَفْظِ السَّلَمِ وَالسَّلَفِ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الشُّرُوطِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ جَائِزٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ؛ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: ٢٨٢] ، وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ السَّلَفَ الْمَضْمُونَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَأَذِنَ فِيهِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَصْلُحُ لِلسَّلَمِ. وَيَشْمَلُهُ بِعُمُومِهِ.
وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: مَنْ أَسَلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ، قَالَ: «أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، فَسَأَلْتُهُمَا عَنْ السَّلَفِ، فَقَالَا: كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ، فَنُسَلِّفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ. فَقُلْت: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.»
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ، فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ السَّلَمَ جَائِزٌ، وَلِأَنَّ الْمُثَمَّنَ فِي الْبَيْعِ أَحَدُ عِوَضَيْ الْعَقْدِ، فَجَازَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الذِّمَّةِ، كَالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَيْهِ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ وَالتِّجَارَاتِ يَحْتَاجُونَ إلَى النَّفَقَةِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَيْهَا؛ لِتَكْمُلَ، وَقَدْ تُعْوِزُهُمْ النَّفَقَةُ، فَجَوَّزَ لَهُمْ السَّلَمَ؛ لِيَرْتَفِقُوا، وَيَرْتَفِقُ الْمُسْلِمُ بِالِاسْتِرْخَاصِ.
[مَسْأَلَةٌ كُلُّ مَا ضُبِطَ بِصِفَةِ فَالسَّلَم فِيهِ جَائِزٌ]
(٣١٩٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (وَكُلُّ مَا ضُبِطَ بِصِفَةٍ، فَالسَّلَمُ فِيهِ جَائِزٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ السَّلَمَ، لَا يَصِحُّ إلَّا بِشُرُوطٍ سِتَّةٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مِمَّا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُ الثَّمَنُ بِاخْتِلَافِهَا ظَاهِرًا، فَيَصِحُّ فِي الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ، وَالدَّقِيقِ، وَالثِّيَابِ، وَالْإِبْرَيْسَمِ، وَالْقُطْنِ، وَالْكَتَّانِ، وَالصُّوفِ، وَالشَّعْرِ، وَالْكَاغَدِ، وَالْحَدِيدِ، وَالرَّصَاصِ، وَالصُّفْرِ، وَالنُّحَاسِ، وَالْأَدْوِيَةِ، وَالطِّيبِ، وَالْخُلُولِ، وَالْأَدْهَانِ، وَالشُّحُومِ، وَالْأَلْبَانِ، وَالزِّئْبَقِ، وَالشَّبِّ، وَالْكِبْرِيتِ، وَالْكُحْلِ، وَكُلِّ مَكِيلٍ، أَوْ مَوْزُونٍ، أَوْ مَزْرُوعٍ، وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute