الْبَاغِيَ، وَلَا يَرِثُ الْبَاغِي الْعَادِلَ
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَتْلَ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ بِكُلِّ حَالٍ. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، أَخْذًا بِظَاهِرِ لَفْظِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ قَاتِلٌ، فَأَشْبَهَ الصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ، وَالسَّاقِطَ عَلَى إنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ، وَسَائِقَ الدَّابَّةِ، وَقَائِدَهَا، وَرَاكِبَهَا، إذَا قَتَلَتْ بِيَدِهَا، أَوْ فِيهَا، فَإِنَّهُ يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهِ، وَلَا مَأْثَمَ فِيهِ، فَأَشْبَهَ الْقَتْلَ فِي الْحَدِّ. وَلَنَا، عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ عُمُومُ الْأَخْبَارِ، خَصَّصْنَا مِنْهَا الْقَتْلَ الَّذِي لَا يُضْمَنُ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى مُقْتَضَاهَا، وَلِأَنَّهُ قَتْلٌ مَضْمُونٌ فَيَمْنَعُ الْمِيرَاثَ كَالْخَطَأِ
وَلَنَا، عَلَى الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ فِعْلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ الْمِيرَاثَ، كَمَا لَوْ أَطْعَمَهُ أَوْ سَقَاهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَأَفْضَى إلَى تَلَفِهِ، وَلِأَنَّهُ حُرِّمَ الْمِيرَاثُ فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، كَيْ لَا يُفْضِي إلَى إيجَادِ الْقَتْلِ الْمُحَرَّمِ، وَزَجْرًا عَنْ إعْدَامِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا حِرْمَانُ الْمِيرَاثِ يَمْنَعُ إقَامَةَ الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ، وَاسْتِيفَاءَ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ، وَلَا يُفْضِي إلَى إيجَادِ قَتْلٍ مُحَرَّمٍ، فَهُوَ ضِدُّ مَا ثَبَتَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى قَتْلِ الصَّبِيِّ، وَالْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ مُحَرَّمٌ، وَتَفْوِيتُ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ، وَالتَّوْرِيثُ يُفْضِي إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَالْمُشَارِكُ فِي الْقَتْلِ فِي الْمِيرَاثِ كَالْمُنْفَرِدِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنْ الضَّمَانِ بِحَسَبِهِ، فَلَوْ شَهِدَ عَلَى مَوْرُوثِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ ظُلْمًا فَقُتِلَ، لَمْ يَرِثْهُ، وَإِنْ شَهِدَ بِحَقٍّ، وَرِثَهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ.
[فَصْلٌ أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ قَتَلَ أَكْبَرُهُمْ الثَّانِي ثُمَّ قَتَلَ الثَّالِثُ الْأَصْغَرَ]
(٤٩٤٥) فَصْلٌ: أَرْبَعَةُ إخْوَةٍ قَتَلَ أَكْبَرُهُمْ الثَّانِيَ، ثُمَّ قَتَلَ الثَّالِثُ الْأَصْغَرَ، سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْأَكْبَرِ؛ لِأَنَّ مِيرَاثَ الثَّانِي صَارَ لِلثَّالِثِ وَالْأَصْغَرِ نِصْفَيْنِ، فَلَمَّا قَتَلَ الثَّالِثُ الْأَصْغَرَ لَمْ يَرِثْهُ، وَوَرِثَهُ الْأَكْبَرُ، فَرَجَعَ إلَيْهِ نِصْفُ دَمِ نَفْسِهِ، وَمِيرَاثُ الْأَصْغَرِ جَمِيعُهُ، فَسَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ، لِمِيرَاثِهِ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ، وَلَهُ الْقِصَاصُ عَلَى الْأَصْغَرِ، وَيَرِثُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، فَإِنْ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَرِثَهُ، وَيَرِثُ إخْوَتَهُ الثَّلَاثَةَ
وَلَوْ أَنَّ ابْنَيْنِ قَتَلَ أَحَدُهُمَا أَحَدَ أَبَوَيْهِمَا، وَهُمَا زَوْجَانِ، ثُمَّ قَتَلَ الْآخَرُ أَبَاهُ الْآخَرَ، سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْ الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ، وَوَجَبَ عَلَى الْقَاتِلِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا قَتَلَ أَبَاهُ، وَرِثَ مَالَهُ وَدَمَهُ أَخُوهُ وَأُمُّهُ، فَلَمَّا قَتَلَ الثَّانِي أُمَّهُ، وَرِثَهَا قَاتِلُ الْأَبِ، فَصَارَ لَهُ مِنْ دَمِ نَفْسِهِ ثُمُنُهُ، فَسَقَطَ الْقِصَاصُ عَنْهُ لِذَلِكَ، وَلَهُ الْقِصَاصُ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ قَتَلَهُ وَرِثَهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَإِنْ جَرَحَ أَحَدُهُمَا أَبَاهُ، وَالْآخَرُ أُمَّهُ، وَمَاتَا فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ، وَلَا وَارِثَ لَهُمَا سِوَاهُمَا، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالُ الَّذِي لَمْ يَقْتُلْهُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى صَاحِبِهِ
وَكَذَلِكَ لَوْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَحَدَ الْأَبَوَيْنِ، وَلَمْ يَكُونَا زَوْجَيْنِ، فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقِصَاصُ عَلَى أَخِيهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَحَدُهُمَا الِاسْتِيفَاءَ إلَّا بِإِبْطَالِ حَقِّ الْآخَرِ فَيَسْقُطَانِ. وَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، فَلِلْآخَرِ قَتْلُ الْعَافِي، وَيَرِثُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute