تَأْكِيدًا وَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْت بِمِثْلِ نَصِيبِ أَكْثَرِهِمْ مِيرَاثًا. فَلَهُ ذَلِكَ مُضَافًا إلَى الْمَسْأَلَةِ، فَيَكُونُ لَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْخِرَقِيِّ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ، تُضَمُّ إلَى الْفَرِيضَةِ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ سِتِّينَ سَهْمًا.
(٤٦٢٨) فَصْلٌ وَإِنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ وَارِثٍ، فَفِيهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْوَصِيَّةِ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَاللُّؤْلُؤِيِّ، وَأَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَزُفَرَ، وَدَاوُد. وَالْوَجْهُ الثَّانِي، لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ. وَهُوَ الَّذِي ذَكَرِهِ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا هُوَ حَقٌّ لِلِابْنِ، فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ قَالَ: بِدَارِ ابْنِي، أَوْ بِمَا يَأْخُذُهُ ابْنِي. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُ وَصِيَّتِهِ يُحْتَمَلُ لَفْظُهُ عَلَى مَجَازِهِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ، أَوْ أَعْتَقَ. وَبَيَانُ إمْكَانِ التَّصْحِيحِ، أَنَّهُ أَمْكَنَ تَقْدِيرُ حَذْفِ الْمُضَافِ، وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ، أَيْ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثِي. وَلِأَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِجَمِيعِ مَالِهِ، صَحَّ، وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ الْوَصِيَّةَ بِنَصِيبِ وُرَّاثِهِ كُلِّهِمْ.
[فَصْل قَالَ أَوْصَيْت لَك بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِي]
(٤٦٢٩) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: أَوْصَيْت لَك بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِي. فَلَهُ مِثْلَا نَصِيبِهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: الضِّعْفُ الْمِثْلُ. وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: ٣٠] أَيْ مِثْلَيْنِ، وَقَوْلِهِ: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البقرة: ٢٦٥] . أَيْ مِثْلَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الضِّعْفَانِ مِثْلَيْنِ، فَالْوَاحِدُ مِثْلٌ. وَلَنَا، أَنَّ الضِّعْفَ مِثْلَانِ، بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: ٧٥] . وَقَالَ: {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} [سبأ: ٣٧] . وَقَالَ: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: ٣٩] . وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ، أَنَّهُ أَضْعَفَ الزَّكَاةَ عَلَى نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ الْمِائَتَيْنِ عَشَرَةً. وَقَالَ لِحُذَيْفَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ: لَعَلَّكُمَا حَمَّلْتُمَا الْأَرْضَ مَا لَا تُطِيقُ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: لَوْ أَضْعَفْت عَلَيْهَا لَاحْتَمَلَتْ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الضِّعْفُ الْمِثْلُ فَمَا فَوْقَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إنَّ الضِّعْفَيْنِ الْمِثْلَانِ. فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّحْوِيِّ قَالَ: الْعَرَبُ تَتَكَلَّمُ بِالضِّعْفِ مُثَنَّى، فَتَقُولُ: إنْ أَعْطَيْتنِي دِرْهَمًا فَلَكَ ضِعْفَاهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute