للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَجِبُ أَنْ يَحْضُرَ الْإِمَامُ، وَلَا الشُّهُودُ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ ثَبَتَ الْحَدُّ بِبَيِّنَةٍ، فَعَلَيْهَا الْحُضُورُ، وَالْبُدَاءَةُ بِالرَّجْمِ، وَإِنْ ثَبَتَ بِاعْتِرَافٍ، وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ الْحُضُورُ، وَالْبُدَاءَةُ بِالرَّجْمِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الرَّجْمُ رَجَمَانِ؛ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ، فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ، ثُمَّ النَّاسُ، وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ، فَأَوَّلُ مِنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ، ثُمَّ النَّاسُ. رَوَاهُ سَعِيدٌ، بِإِسْنَادِهِ. وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَحْضُرْ الْبَيِّنَةُ وَلَا الْإِمَامُ، كَانَ ذَلِكَ شُبْهَةً، وَالْحَدُّ يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ. وَلَنَا، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ، وَلَمْ يَحْضُرْهُمَا» وَالْحَدُّ ثَبَتَ بِاعْتِرَافِهِمَا. وَقَالَ: «يَا أُنَيْسُ، اذْهَبْ إلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» . وَلَمْ يَحْضُرْهَا. وَلِأَنَّهُ حَدٌّ، فَلَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَحْضُرَهُ الْإِمَامُ، وَلَا الْبَيِّنَةُ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَخَلُّفَهُمْ عَنْ الْحُضُورِ، وَلَا امْتِنَاعَهُمْ مِنْ الْبُدَاءَةِ بِالرَّجْمِ، شُبْهَةٌ. وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالْفَضِيلَةِ.

قَالَ أَحْمَدُ: سُنَّةُ الِاعْتِرَافِ أَنْ يَرْجُمَ الْإِمَامُ ثُمَّ النَّاسُ. وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ عَلِيٍّ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ، رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ، عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ أَنَّهُ رَجَمَ امْرَأَةً، فَحَفَرَ لَهَا إلَى الثَّنْدُوَةِ، ثُمَّ رَمَاهَا بِحَصَاةٍ مِثْلِ الْحِمَّصَةِ، ثُمَّ قَالَ: ارْمُوا، وَاتَّقُوا الْوَجْهَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.

[فَصْلٌ إقَامَة الْحَدّ عَلَى الْحَامِل]

(٧١٤٨) فَصْلٌ: وَلَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى حَامِلٍ حَتَّى تَضَعَ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى أَوْ غَيْرِهِ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَا تُرْجَمُ حَتَّى تَضَعَ. وَقَدْ رَوَى بُرَيْدَةَ، «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غَامِدٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرْنِي. قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: إنَّهَا حُبْلَى مِنْ زِنًى. قَالَ: أَنْتِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَقَالَ لَهَا: ارْجِعِي حَتَّى تَضَعِينَ مَا فِي بَطْنِك. قَالَ، فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حَتَّى وَضَعَتْ، قَالَ: فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: قَدْ وَضَعَتْ الْغَامِدِيَّةُ. فَقَالَ: إذًا لَا نَرْجُمُهَا، وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا لَيْسَ لَهُ مَنْ تُرْضِعُهُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: إلَيَّ إرْضَاعَهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد. وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً زَنَتْ فِي أَيَّامِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهَمَّ عُمَرُ بِرَجْمِهَا وَهِيَ حَامِلٌ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: إنْ كَانَ لَك سَبِيلٌ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ لَك سَبِيلٌ عَلَى حَمْلِهَا. فَقَالَ: عَجَزَ النِّسَاءُ أَنْ يَلِدْنَ مِثْلَك. وَلَمْ يَرْجُمْهَا. وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ.

وَلِأَنَّ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا فِي حَالِ حَمْلِهَا إتْلَافًا لَمَعْصُومٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا أَوْ غَيْرَهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>