للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، لَا تَجِبُ الشَّهَادَةُ. وَهِيَ اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَقَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى شَهَادَةٍ، كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ، وَلِأَنَّ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْوَلِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِشْهَادُ، كَالْبَيْعِ. وَعِنْدَ ذَلِكَ يُحْمَلُ الْأَمْرُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ.

وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، فِي أَنَّ السُّنَّةَ الْإِشْهَادُ. فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ شَرْطٌ. فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهَا حَالَ الرَّجْعَةِ، فَإِنْ ارْتَجَعَ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُهَا فِي الرَّجْعَةِ، دُونَ الْإِقْرَارِ بِهَا، إلَّا أَنْ يُقْصَدَ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ الِارْتِجَاعَ، فَيَصِحُّ.

[فَصْلٌ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ]

(٦٠٨٤) فَصْلٌ: وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْقَوْلِ؛ لِقَوْلِهِ: الْمُرَاجَعَةُ أَنْ يَقُولَ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهَا اسْتِبَاحَةُ بُضْعٌ مَقْصُودٍ، أُمِرَ بِالْإِشْهَادِ فِيهِ، فَلَمْ تَحْصُلْ مِنْ الْقَادِرِ بِغَيْرِ قَوْلٍ، كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّ غَيْرَ الْقَوْلِ فِعْلٌ مِنْ قَادِرٍ عَلَى الْقَوْلِ، فَلَمْ تَحْصُلْ بِهِ الرَّجْعَةُ، كَالْإِشَارَةِ مِنْ النَّاطِقِ، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِالْوَطْءِ، سَوَاءٌ نَوَى بِهِ الرَّجْعَةَ، أَوْ لَمْ يَنْوِ. اخْتَارَهَا ابْنُ حَامِدٍ، وَالْقَاضِي وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ، وَطَاوُسٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ. قَالَ بَعْضُهُمْ. وَيُشْهِدُ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ: تَكُونُ رَجْعَةً إذَا أَرَادَ بِهِ الرَّجْعَةَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةٌ تُفْضِي إلَى بَيْنُونَةٍ، فَتَرْتَفِعُ بِالْوَطْءِ، كَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ، وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ وَمَعَهُ خِيَارٌ، فَتَصَرُّفُ الْمَالِكِ بِالْوَطْءِ يَمْنَعُ عَمَلَهُ، كَوَطْءِ الْبَائِعِ الْأَمَةَ الْمَبِيعَةَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّنَا إذَا قُلْنَا: الْوَطْءُ مُبَاحٌ. حَصَلَتْ الرَّجْعَةُ بِهِ، كَمَا يَنْقَطِعُ بِهِ التَّوْكِيلُ فِي طَلَاقِهَا. وَإِنْ قُلْنَا: هُوَ مُحَرَّمٌ. لَمْ تَحْصُلْ الرَّجْعَةُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْحِلِّ، كَوَطْءِ الْمُحَلِّلِ.

[فَصْلٌ تُحَصِّل الرَّجْعَة إذَا قَبَّلَهَا أَوْ لَمَسَهَا لِشَهْوَةِ أَوْ كَشَفَ فَرْجَهَا وَنَظَرَ إلَيْهِ]

(٦٠٨٥) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ قَبَّلَهَا، أَوْ لَمَسَهَا لِشَهْوَةٍ، أَوْ كَشَفَ فَرْجَهَا وَنَظَرَ إلَيْهِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ. وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا، هُوَ رَجْعَةٌ. وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِمْتَاعٌ يُسْتَبَاحُ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَحَصَلَتْ الرَّجْعَةُ بِهِ كَالْوَطْءِ. وَالثَّانِي، أَنَّهُ لَيْسَ بِرَجْعَةٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إيجَابُ عِدَّةٍ وَلَا مَهْرٍ، فَلَا تَحْصُلُ بِهِ الرَّجْعَةُ، كَالنَّظَرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>