وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ: إذَا خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ فِي الثَّوْبِ نَضَحَهُ كُلَّهُ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: يَتَحَرَّى مَكَانَ النَّجَاسَةِ فَيَغْسِلُهُ.
وَلَعَلَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فِي الْمَذْيِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَا أَصَابَ ثَوْبِي مِنْهُ؟ قَالَ: «يُجْزِئُكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ، فَتَنْضَحَ بِهِ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ مِنْهُ.» فَأَمَرَهُ بِالتَّحَرِّي وَالنَّضْحِ. وَلَنَا، أَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ لِلْمَانِعِ مِنْ الصَّلَاةِ. فَلَمْ تُبَحْ لَهُ الصَّلَاةُ إلَّا بِتَيَقُّنِ زَوَالِهِ كَمَنْ تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ، وَالنَّضْحُ لَا يُزِيلُ النَّجَاسَةَ، وَحَدِيثُ سَهْلٍ فِي الْمَذْيِ دُونَ غَيْرِهِ، فَلَا يُعَدَّى، لِأَنَّ أَحْكَامَ النَّجَاسَةِ تَخْتَلِفُ.
وَقَوْلُهُ: حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَ مِنْهُ ". مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ أَصَابَ نَاحِيَةً مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ غَيْرِ تَيَقُّنٍ، فَيُجْزِئُهُ نَضْحُ الْمَكَانِ أَوْ غَسْلُهُ.
[فَصْلٌ إنَّ خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ فِي فَضَاءٍ وَاسِع صَلَّى حَيْثُ شَاءَ]
(٩٨٤) فَصْلٌ: وَإِنْ خَفِيَتْ النَّجَاسَةُ فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ، صَلَّى حَيْثُ شَاءَ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يَشُقُّ، فَلَوْ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ أَفْضَى إلَى أَنْ لَا يَجِدَ مَوْضِعًا يُصَلِّي فِيهِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ مَوْضِعًا صَغِيرًا، كَبَيْتٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ يَغْسِلُهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ غَسْلُهُ، فَأَشْبَهَ الثَّوْبَ.
[مَسْأَلَة مَا خَرَجَ مِنْ الْإِنْسَان أَوَ الْبَهِيمَة الَّتِي لَا يُؤْكَل لَحْمهَا مِنْ بَوْل أَوَغَيْره]
(٩٨٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَا خَرَجَ مِنْ الْإِنْسَانِ، أَوْ الْبَهِيمَةِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَهُوَ نَجِسٌ) يَعْنِي مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ، كَالْبَوْلِ، وَالْغَائِطِ، وَالْمَذْيِ، وَالْوَدْيِ، وَالدَّمِ، وَغَيْرِهِ. فَهَذَا لَا نَعْلَمُ فِي نَجَاسَتِهِ خِلَافًا، إلَّا أَشْيَاءَ يَسِيرَةً، نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. أَمَّا بَوْلُ الْآدَمِيِّ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي الَّذِي مَرَّ بِهِ وَهُوَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ إنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَوْلِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ فِي خَبَرٍ «أَنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْ الْبَوْلِ» .
وَأَمَّا الْوَدْيُ، فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ يَخْرُجُ عَقِيبَ الْبَوْلِ خَاثِرٌ، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَوْلِ سَوَاءً؛ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، وَجَارٍ مَجْرَاهُ. وَأَمَّا الْمَذْيُ، فَهُوَ مَاءٌ لَزِجٌ رَقِيقٌ يَخْرُجُ عَقِيبَ الشَّهْوَةِ، عَلَى طَرَفِ الذَّكَرِ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَجِسٌ. قَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْهَبُ فِي الْمَذْيِ إلَى أَنَّهُ يَغْسِلَ مَا أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي الْعَفْوِ عَنْ يَسِيرِهِ فِيمَا مَضَى وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَنِيِّ. قَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ: إنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْمَذْيِ أَشَدُّ أَوْ الْمَنِيُّ، قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، لَيْسَا مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ، إنَّمَا هُمَا مِنْ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ.
وَذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ نَحْوَ هَذَا، وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْمَذْيَ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا جَمِيعًا الشَّهْوَةُ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ تُحَلِّلُهُ الشَّهْوَةُ، أَشْبَهَ الْمَنِيَّ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ، لَيْسَ بَدْءًا لِخَلْقِ آدَمِيٍّ، فَأَشْبَهَ الْبَوْلَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute