للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيمَتَهُ، فَقَدْ أَدَّى قَدْرَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ حَقَّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لَا يَزِيدُ عَلَى الْعَبْدِ، فَإِذَا أَدَّى قِيمَتَهُ، فَقَدْ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ، إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا إذَا عُرِضَ لِلْبَيْعِ رَغِبَ فِيهِ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ، فَإِذَا أَمْسَكَهُ فَقَدْ فَوَّتَ تِلْكَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ، كَالرِّوَايَتَيْنِ. وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى، أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ جَعَلَ لَهُ فِدَاءَهُ، فَكَانَ لَهُ فِدَاؤُهُ، فَكَانَ الْوَاجِبُ قَدْرَ قِيمَتِهِ، كَسَائِرِ الْمُتْلَفَاتِ.

[فَصْل كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ]

(٦٨١٠) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَعَفَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَى أَنْ يَمْلِكَ الْعَبْدَ، لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْهُ بِالْجِنَايَةِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَهُ بِالْعَفْوِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ، فَلَا يَمْلِكُهُ بِالْعَفْوِ، كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ إذَا عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ. انْتَقَلَ حَقُّهُ إلَى الْمَالِ، فَصَارَ كَالْجَانِي جِنَايَةً مُوجِبَةً لِلْمَالِ. وَفِيهِ رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ يَمْلِكُهُ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ اسْتَحَقَّ إتْلَافَهُ، فَاسْتَحَقَّ إبْقَاءَهُ عَلَى مِلْكِهِ، كَعَبْدِهِ الْجَانِي عَلَيْهِ.

[فَصْل أَمَرَ غُلَامه بِجِنَايَةِ]

فَصْلٌ: قَالَ أَبُو طَالِبٍ سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إذَا أَمَرَ غُلَامَهُ فَجَنَى، فَعَلَيْهِ مَا جَنَى، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ، إنْ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ، فَعَلَيْهِ دِيَةُ يَدِ الْحُرِّ، وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَقَلَّ، وَإِنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَجْرَحَ رَجُلًا، فَمَا جَنَى، فَعَلَيْهِ قِيمَةُ جِنَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهِ؛ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ. وَكَانَ عَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولَانِ: إذَا أَمَرَ عَبْدَهُ أَنْ يَقْتُلَ، فَإِنَّمَا هُوَ سَوْطُهُ، وَيُقْتَلُ الْمَوْلَى، وَيُحْبَسُ الْعَبْدُ. وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا بَهْزٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ خِلَاسٍ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: إذَا أَمَرَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ فَقَتَلَ، إنَّمَا هُوَ كَسَوْطِهِ أَوْ كَسَيْفِهِ، يُقْتَلُ الْمَوْلَى، وَالْعَبْدُ يُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ. وَلِأَنَّهُ فَوَّتَ شَيْئًا بِأَمْرِهِ، فَكَانَ عَلَى السَّيِّدِ ضَمَانُهُ، كَمَا لَوْ اسْتَدَانَ بِأَمْرِهِ.

[فَصْلٌ: جَنَى جِنَايَات بَعْضهَا بَعْدَ بَعْضٍ]

(٦٨١٢) فَصْلٌ: فَإِنْ جَنَى جِنَايَاتٍ، بَعْضَهَا بَعْدَ بَعْضٍ، فَالْجَانِي بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَاتِ بِالْحِصَصِ. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَحَمَّادٌ، وَرَبِيعَةُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَالشَّافِعِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ، أَنَّهُ قَالَ: يُقْضَى بِهِ لِآخِرِهِمْ. وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَقَتَادَةُ؛ لِأَنَّهَا جِنَايَةٌ وَرَدَتْ عَلَى مَحَلٍّ مُسْتَحِقٍّ، فَقُدِّمَ صَاحِبُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّ قَبْلَهُ، كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْمَمْلُوكِ الَّذِي لَمْ يَجْنِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ، فِي عَبْدٍ شَجَّ رَجُلًا، ثُمَّ آخَرَ، ثُمَّ آخَرَ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: يُدْفَعُ إلَى الْأَوَّلِ، إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ مَوْلَاهُ، ثُمَّ يُدْفَعُ إلَى الثَّانِي، ثُمَّ يُدْفَعُ إلَى الثَّالِثِ، إلَّا أَنْ يَفْدِيَهُ الْأَوْسَطُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>