فَعَلَى هَذَا، لَوْ كَانَ أَجْرُ الْمِثْلِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَالِكِ بِقَدْرِ الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ، لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ شَيْءٌ، وَإِنْ فَضَلَتْ مِنْهُ فَضْلَةٌ، لَزِمَ الْمَالِكَ أَدَاؤُهَا إلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَإِنْ تَصَرَّفَ الْمَالِكُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْعَيْنِ، أَوْ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ قَدْ أَتْلَفَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ، فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ طَعَامًا فَأَتْلَفَهُ قَبْلَ تَسْلِيمِهِ. وَإِنْ سَلَّمَهَا إلَيْهِ فِي أَثْنَاء الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ فِيمَا مَضَى، وَيَجِبُ أَجْرُ الْبَاقِي بِالْحِصَّةِ، كَالْمَبِيعِ إذَا سَلَّمَ بَعْضَهُ وَأَتْلَفَ بَعْضًا.
[مَسْأَلَة إنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ لِمَا سَكَنَ]
(٤١٧٦) مَسْأَلَةٌ قَالَ: (فَإِنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ لِمَا سَكَنَ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ عَقَارًا مُدَّةً، فَسَكَنَهُ بَعْضَ الْمُدَّةِ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْمَالِكُ، وَمَنَعَهُ تَمَامَ السُّكْنَى، فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ. وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَهُ أَجْرُ مَا سَكَنَ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مِلْكَ غَيْرِهِ عَلَى سَبِيلِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَزِمَهُ عِوَضُهُ كَالْمَبِيعِ إذَا اسْتَوْفَى بَعْضَهُ، وَمَنَعَهُ الْمَالِكُ بَقِيَّتَهُ، كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ الْبَاقِي لِأَمْرٍ غَالِبٍ. وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ إلَيْهِ مَا عَقَدَ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْمِلَ لَهُ كِتَابًا إلَى مَوْضِعٍ، فَحَمَلَهُ بَعْضَ الطَّرِيقِ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْفِرَ لَهُ عِشْرِينَ ذِرَاعًا
فَحَفَرَ لَهُ عَشْرًا، وَامْتَنَعَ مِنْ حَفْرِ الْبَاقِي. وَقِيَاسُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْإِجَارَةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى الْبَيْعِ. وَيُفَارِقُ مَا إذَا امْتَنَعَ لَأَمْرٍ غَالِبٍ؛ لِأَنَّ لَهُ عُذْرًا.
وَالْحُكْمُ فِي مَنْ اكْتَرَى دَابَّةً، فَامْتَنَعَ الْمُكْرِي مِنْ تَسْلِيمِهَا فِي بَعْضِ الْمُدَّةِ، أَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ أَوْ عَبْدَهُ لِلْخِدْمَةِ مُدَّةً، وَامْتَنَعَ مِنْ إتْمَامِهَا، أَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ لِبِنَاءِ حَائِطٍ، أَوْ خِيَاطَةٍ، أَوْ حَفَرِ بِئْرٍ، أَوْ حَمْلِ شَيْءٍ إلَى مَكَان، وَامْتَنَعَ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ، كَالْحُكْمِ فِي الْعَقَارِ يَمْتَنِعُ مِنْ تَسْلِيمِهِ، وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ هَرَبَ الْأَجِيرُ أَوْ شَرَدَتْ الدَّابَّةُ]
(٤١٧٧) فَصْلٌ: إذَا هَرَبَ الْأَجِيرُ، أَوْ شَرَدَتْ الدَّابَّةُ، أَوْ أَخَذَ الْمُؤَجِّرُ الْعَيْنَ وَهَرَبَ بِهَا، أَوْ مَنَعَهُ اسْتِيفَاءَ الْمَنْفَعَةِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ هَرَبٍ، لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ، لَكِنْ يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ فَإِنْ فَسَخَ، فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ يَوْمًا فَيَوْمًا. فَإِنْ عَادَتْ الْعَيْنُ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ، اسْتَوْفَى مَا بَقِيَ مِنْهَا. فَإِنْ انْقَضَتْ الْمُدَّةُ، انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ؛ لِفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ. وَإِنْ كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ، أَوْ حَمْلٍ إلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، اُسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُهُ، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ فَهَرَبَ، اُبْتِيعَ مِنْ مَالِهِ
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ، ثَبَتَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ. فَإِنْ فَسَخَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute