وَلَمْ يَقْفِلْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ غَزَاةٍ قَطُّ أَصَابَ فِيهَا غَنِيمَةً إلَّا خَمَسَهُ وَقَسَمَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَقْفِلَ، مِنْ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَهَوَازِنَ، وَخَيْبَرَ. وَلِأَنَّ كُلَّ دَارٍ صَحَّتْ الْقِسْمَةُ فِيهَا جَازَتْ، كَدَارِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ فِيهَا بِالْقَهْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ، فَصَحَّتْ قِسْمَتُهَا، كَمَا لَوْ أُحْرِزَتْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِيهَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ؛ أَحَدُهَا، أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ الِاسْتِيلَاءُ التَّامُّ، وَقَدْ وَجَدَ، فَإِنَّنَا أَثْبَتَنَا أَيْدِيَنَا عَلَيْهَا حَقِيقَةً، وَقَهَرْنَاهُمْ، وَنَفَيْنَاهُمْ عَنْهَا، وَالِاسْتِيلَاءُ يَدُلُّ عَلَى حَاجَةِ الْمُسْتَوْلِي، فَيَثْبُتُ الْمِلْكُ، كَمَا فِي الْمُبَاحَاتِ. الثَّانِي، أَنَّ مُلْكَ الْكُفَّارِ قَدْ زَالَ عَنْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُمْ فِي الْعَبِيدِ الَّذِينَ حَصَلُوا فِي الْغَنِيمَةِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ فِيهَا، وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُمْ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ، إذْ لَيْسَتْ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُبَاحَةً، عَلِمَ أَنَّ مِلْكَهُمْ زَالَ إلَى الْغَانِمِينَ.
الثَّالِثُ، أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ، وَلَحِقَ بِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ، صَارَ حُرًّا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى زَوَالِ مِلْكِ الْكَافِرِ، وَثُبُوتِ الْمِلْكِ لِمَنْ قَهَرَهُ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا ذَكَرُوهُ.
[مَسْأَلَةٌ التَّفْرِيقُ بَيْن الْأُمِّ وَوَلَدِهَا فِي قِسْمَة الْغَنَائِم]
(٧٥٢٧) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا سُبُوا، لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ، وَلَا بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا الطِّفْلِ غَيْرُ جَائِزٍ. هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثِ فِي أَهْلِ مِصْرَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ فِيهِ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا، فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» . أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَنْ وَلَدِهَا» . قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا وَإِنْ رَضِيَتْ.
وَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ، وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ قَدْ تَرْضَى بِمَا فِيهِ ضَرَرُهَا، ثُمَّ يَتَغَيَّرُ قَلْبُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَنْدَمُ. لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأَبِ وَوَلَدِهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: يَجُوزُ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْأُمَّ أَشْفَقُ مِنْهُ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ، فَأَشْبَهَ الْأُمَّ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ لَا فَرْقَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute