هَذِهِ الصِّفَةِ حَالَةَ الْإِطْلَاقِ، لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ تَقْيِيدِهَا بِهِ، كَالثَّمَنِ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّ التَّأْجِيلَ يَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهَا. لَيْسَ بِصَحِيحِ، وَإِنَّمَا يُؤَخِّرُهُ، فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ الْمُؤَجَّلَ يُحَقِّقُهُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ، فَإِذَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِهَذِهِ الصِّفَةِ، لَمْ تَقْتَضِ الشَّرِيعَةُ الْمُطَهَّرَةُ سَدَّ بَابِ الْإِقْرَارِ بِهَا عَلَى صِفَتِهَا.
وَعَلَى مَا ذَكَرُوهُ، لَا سَبِيلَ لَهُ إلَى الْإِقْرَارِ بِهَا إلَّا عَلَى وَجْهٍ يُؤَاخَذُ بِغَيْرِ مَا هُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَيَفْسُدُ بَابُ الْإِقْرَارِ. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّ قَوْلَهُ " صِغَارًا " يَنْصَرِفُ إلَى الْمِقْدَارِ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِسَاحَةَ الدَّرَاهِمِ لَا تُعْتَبَرُ فِي الشَّرْعِ وَلَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بِمِسَاحَةٍ مُقَدَّرَةٍ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ الصِّغَرُ وَالْكِبَرُ فِي الْوَزْنِ، فَيَرْجِعُ إلَى تَفْسِيرِ الْمُقِرِّ، فَأَمَّا إنْ قَالَ: زُيُوفًا. وَفَسَّرَهَا بِمَغْشُوشَةٍ، أَوْ مَعِيبَةٍ عَيْبًا يَنْقُصُهَا، قُبِلَ تَفْسِيرُهُ، وَإِنْ فَسَّرَهَا بِنُحَاسٍ أَوْ رَصَاصٍ، أَوْ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ، لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ دَرَاهِمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ، فَيَكُونُ تَفْسِيرُهُ بِهِ رُجُوعًا عَمَّا أَقَرَّ بِهِ، فَلَمْ يُقْبَلْ، كَاسْتِثْنَاءِ الْكُلِّ.
[فَصْلٌ أَقَرَّ بِدَرَاهِم وَأَطْلَقَ فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ]
(٣٨٣٨) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ وَأَطْلَقَ، فِي بَلَدٍ أَوْزَانُهُمْ نَاقِصَةٌ، كَطَبَرِيَّةَ، كَانَ دِرْهَمُهُمْ أَرْبَعَةَ دَوَانِيقَ، وَخُوَارِزْمَ كَانَ دِرْهَمُهُمْ أَرْبَعَةَ دَوَانِيقَ وَنِصْفًا، وَمَكَّةَ دِرْهَمُهُمْ نَاقِصٌ، وَكَذَلِكَ الْمَغْرِبُ، أَوْ فِي بَلَدٍ دَرَاهِمُهُمْ مَغْشُوشَةٌ، كَمِصْرِ وَالْمَوْصِلِ، أَوْ بِدَنَانِيرَ فِي بَلَدٍ دَنَانِيرُهُمْ مَغْشُوشَةٌ. فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَوَّلُهُمَا، يَلْزَمُهُ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ وَدَنَانِيرِهِ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ كَلَامِهِمْ يُحْمَلُ عَلَى عُرْفِ بَلَدِهِمْ، كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْأَثْمَانِ.
وَالثَّانِي، تَلْزَمُهُ الْوَازِنَةُ الْخَالِصَةُ مِنْ الْغِشِّ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الدَّرَاهِمِ فِي الشَّرْعِ يَنْصَرِفُ إلَيْهَا، بِدَلِيلِ أَنَّ بِهَا تَقْدِيرَ نُصُبِ الزَّكَاةِ وَمَقَادِيرِ الدِّيَاتِ، فَكَذَلِكَ إطْلَاقُ الشَّخْصِ. وَفَارَقَ الْبَيْعَ؛ فَإِنَّهُ إيجَابٌ فِي الْحَالِ، فَاخْتَصَّ بِدَرَاهِمِ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ فَانْصَرَفَ إلَى دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ.
[فَصْلٌ أَقَرَّ بِدَرَاهِم وَأَطْلَقَ ثُمَّ فَسَّرَهَا بِسِكَّةِ الْبَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهَا فِيهِ]
(٣٨٣٩) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ بِدَرَاهِمَ، وَأَطْلَقَ، ثُمَّ فَسَّرَهَا بِسِكَّةِ الْبَلَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهَا فِيهِ، قُبِلَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهُ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ، وَإِنْ فَسَّرَهَا بِسِكَّةٍ غَيْرِ سِكَّةِ الْبَلَدِ أَجْوَدَ مِنْهَا، قُبِلَ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ أَغْلَظُ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ أَدْنَى مِنْ سِكَّةِ الْبَلَدِ، لَكِنَّهَا مُسَاوِيَةٌ فِي الْوَزْنِ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يُقْبَلَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَقْتَضِي دَرَاهِمَ الْبَلَدِ وَنَقْدَهُ، فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ دُونَهَا، كَمَا لَا يُقْبَلُ فِي الْبَيْعِ، وَلِأَنَّهَا نَاقِصَةُ الْقِيمَةِ، فَلَمْ يُقْبَلْ تَفْسِيرُهُ بِهَا، كَالنَّاقِصَةِ وَزْنًا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ مَا فَسَّرَهُ بِهِ. وَفَارَقَ النَّاقِصَةَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ الشَّرْعِ الدَّرَاهِمَ، لَا يَتَنَاوَلُهَا، بِخِلَافِ هَذِهِ، وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ مِقْدَارُ النِّصَابِ فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ، وَفَارَقَ الثَّمَنَ؛ فَإِنَّهُ إيجَابٌ فِي الْحَالِ، وَهَذَا إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute