مِائَةَ دِرْهَمٍ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ عَلَيْهِ أَلْفًا، فَرُبَّمَا طَالَبَهُ بِذَلِكَ، فَلَزِمَهُ، فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ. وَفِي الثَّالِثَةِ الْغَرَرُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى عَبْدًا يُسَاوِي مِائَةً بِأَلْفٍ.
وَفِي الرَّابِعَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى شِقْصًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفٍ. وَكَذَلِكَ فِي الْخَامِسَةِ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بَعْضَ الشِّقْصِ بِثَمَنِ جَمِيعِهِ. وَفِي السَّادِسَةِ عَلَى الْبَادِئِ مِنْهُمَا بِالْهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَهَبُ لَهُ الْآخَرُ شَيْئًا، فَإِنْ خَالَفَ أَحَدُهُمَا مَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ، فَطَالَبَ صَاحِبَهُ بِمَا أَظْهَرَاهُ، لَزِمَهُ، فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْبَيْعَ مَعَ صَاحِبِهِ بِذَلِكَ مُخْتَارًا، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَحِلُّ لِمَنْ غَرَّ صَاحِبَهُ الْأَخْذُ بِخِلَافِ مَا تَوَاطَآ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ إنَّمَا رَضِيَ بِالْعَقْدِ لِلتَّوَاطُؤِ، فَمَعَ فَوَاتِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الرِّضَى بِهِ.
[اخْتَلَفَ الشَّفِيعَ وَالْمُشْتَرِيَ فِي الثَّمَنِ]
(٤٠٦٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الشَّفِيعَ وَالْمُشْتَرِيَ إذَا اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْته بِمِائَةٍ. فَقَالَ الشَّفِيعُ: بَلْ بِخَمْسِينَ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ، فَهُوَ أُعْرَفُ بِالثَّمَنِ، وَلِأَنَّ الشِّقْصَ مِلْكُهُ، فَلَا يُنْزَعُ مِنْ يَدِهِ بِالدَّعْوَى بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلَّا قُلْتُمْ: الْقَوْلُ قَوْلُ الشَّفِيعِ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ وَمُنْكِرٌ لِلزِّيَادَةِ، فَهُوَ كَالْغَاصِبِ وَالْمُتْلِفِ وَالضَّامِنِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ إذَا أَعْتَقَ؟ قُلْنَا: الشَّفِيعُ لَيْسَ بِغَارِمٍ؛ لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَمْلِكَ الشِّقْصَ بِثَمَنِهِ، بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَالْمُتْلِفِ وَالْمُعْتِقِ.
فَأَمَّا إنْ كَانَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي بَيِّنَةٌ، حُكِمَ بِهَا، وَاسْتُغْنِيَ عَنْ يَمِينِهِ، وَيَثْبُتُ ذَلِكَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا شَهِدَ لِلشَّفِيعِ كَانَ مُتَّهَمًا، لِأَنَّهُ يَطْلُبُ تَقْلِيلَ الثَّمَنِ خَوْفًا مِنْ الدَّرْكِ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، احْتَمَلَ تَعَارُضَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَنَازَعَانِ فِيمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَيَصِيرَانِ كَمَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُمَا.
وَذَكَرَ الشَّرِيفُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةُ الشَّفِيعِ. وَيَقْتَضِيه مَذْهَبُ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ عِنْدَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ، وَالشَّفِيعُ هُوَ الْخَارِجُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهَا تَتَرَجَّحُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي، فَإِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ الشَّفِيعِ، وَيُخَالِفُ الْخَارِجَ وَالدَّاخِلَ؛ لِأَنَّ بَيِّنَةَ الدَّاخِلِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُسْتَنِدَةً إلَى يَدِهِ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا الْبَيِّنَةُ تَشْهَدُ عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ، كَشَهَادَةِ بَيِّنَةِ الشَّفِيعِ.
وَلَنَا، أَنَّهُمَا بَيِّنَتَانِ تَعَارَضَتَا، فَقُدِّمَتْ بَيِّنَةُ مَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ عِنْدَ عَدَمِهَا، كَالدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا يَتَنَازَعَانِ فِي الْعَقْدِ، وَلَا يَدَ لَهُمَا عَلَيْهِ، فَصَارَا كَالْمُتَنَازِعِينَ عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute