وَلِأَنَّهُ صَلَّى نَافِلَةً، فَلَمْ تَجْزِهِ عَنْ الْوَاجِبِ، كَمَا لَوْ نَوَى نَفْلًا، وَلِأَنَّهُ بَلَغَ فِي وَقْتِ الْعِبَادَةِ وَبَعْدَ فِعْلِهَا، فَلَزِمَتْهُ إعَادَتُهَا كَالْحَجِّ، وَوَظِيفَةُ الْوَقْتِ فِي حَقِّ الْبَالِغِ ظُهْرًا وَاجِبَةٌ، وَلَمْ يَأْتِ بِهَا.
[فَصْلٌ الْمَجْنُونُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ]
(٥٤٩) فَصْلٌ: وَالْمَجْنُونُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي حَالِ جُنُونِهِ، إلَّا أَنْ يُفِيقَ وَقْتَ الصَّلَاةِ، فَيَصِيرَ كَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ. وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ؛ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ، وَعَنْ الْمَعْتُوهِ حَتَّى يَعْقِلَ» . أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَلِأَنَّ مُدَّتَهُ تَطُولُ غَالِبًا، فَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ يَشُقُّ، فَعُفِيَ عَنْهُ.
[مَسْأَلَة الْمُغْمَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّائِمِ]
(٥٥٠) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي جَمِيعَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَانَتْ فِي حَالِ إغْمَائِهِ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ حُكْمُ النَّائِمِ، لَا يَسْقُطُ عَنْهُ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى النَّائِمِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ يُفِيقَ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهَا؛ لِأَنَّ عَائِشَةَ «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الرَّجُلِ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ قَضَاءٌ إلَّا أَنْ يُغْمَى عَلَيْهِ، فَيُفِيقَ فِي وَقْتِهَا، فَيُصَلِّيَهَا» . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ قَضَاهَا، وَإِنْ زَادَتْ سَقَطَ فَرْضُ الْقَضَاءِ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ فِي التَّكْرَارِ، فَأَسْقَطَ الْقَضَاءَ، كَالْجُنُونِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ، أَنَّ عَمَّارًا غُشِيَ عَلَيْهِ أَيَّامًا لَا يُصَلِّي، ثُمَّ اسْتَفَاقَ بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَقَالَ: هَلْ صَلَّيْتُ؟ فَقِيلَ: مَا صَلَّيْتَ مُنْذُ ثَلَاثٍ. فَقَالَ: أَعْطُونِي وَضُوءًا، فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ صَلَّى تِلْكَ اللَّيْلَةَ
وَرَوَى أَبُو مِجْلَزٍ، أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ، قَالَ: الْمُغْمَى عَلَيْهِ - يَتْرُكُ الصَّلَاةَ، أَوْ فَيَتْرُكُ الصَّلَاةَ - يُصَلِّي مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَاةً مِثْلَهَا قَالَ: قَالَ عِمْرَانُ: زَعْمٌ، وَلَكِنْ لِيُصَلِّهِنَّ جَمِيعًا. وَرَوَى الْأَثْرَمُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي " سُنَنِهِ ". وَهَذَا فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَقَوْلُهُمْ، وَلَا نَعْرِفُ لَهُمْ مُخَالِفًا، فَكَانَ إجْمَاعًا. وَلِأَنَّ الْإِغْمَاءَ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الصِّيَامِ، وَلَا يُؤَثِّرُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ النَّوْمَ. فَأَمَّا حَدِيثُهُمْ فَبَاطِلٌ يَرْوِيهِ الْحَاكِمُ بْنُ سَعْدٍ، وَقَدْ نَهَى أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، عَنْ حَدِيثِهِ، وَضَعَّفَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: تَرَكُوهُ. وَفِي إسْنَادِهِ خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ.
وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ تَتَطَاوَلُ مُدَّتُهُ غَالِبًا، وَقَدْ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ صِيَامٌ، وَلَا شَيْءٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute