الْخَامِسُ، أَنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهَا مُحَابَاةٌ لِأَجْنَبِيٍّ بِمَا دُونَ الثُّلُثِ، فَلَا تَبْطُلُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ الشِّقْصُ مَشْفُوعًا.
[فَصْلٌ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِأَخْذِهِ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِهِ]
(٤٠١٩) فَصْلٌ: وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِأَخْذِهِ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِهِ، بِأَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخَذْته بِالثَّمَنِ. أَوْ تَمَلَّكْتُهُ بِالثَّمَنِ. أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، إذَا كَانَ الثَّمَنُ وَالشِّقْصُ مَعْلُومَيْنِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يَمْلِكُهُ بِالْمُطَالَبَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ السَّابِقَ سَبَبٌ، فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ، كَانَ كَالْإِيجَابِ فِي الْبَيْعِ انْضَمَّ إلَيْهِ الْقَبُولُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَحْصُلُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ نَقْلٌ لِلْمِلْكِ عَنْ مَالِكِهِ إلَى غَيْرِهِ قَهْرًا فَافْتَقَرَ إلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ، كَأَخْذِ دَيْنِهِ.
وَلَنَا، أَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حَاكِمٍ، كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يَنْتَقِضُ بِهَذَا الْأَصْلِ، وَبِأَخْذِ الزَّوْجِ نِصْفَ الصَّدَاقِ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ يَتَمَلَّكُهُ قَهْرًا، فَمَلَكَهُ بِالْأَخْذِ، كَالْغَنَائِمِ وَالْمُبَاحَاتِ، وَمَلَكَهُ بِاللَّفْظِ الدَّالِ عَلَى الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، لَكِنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَقِلُّ بِهِ، فَانْتَقَلَ بِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُمْ: يَمْلِكُ بِالْمُطَالَبَةِ بِمُجَرَّدِهَا. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ بِهَا لَمَا سَقَطَتْ الشُّفْعَةُ بِالْعَفْوِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَلَوَجَبَ أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ شَفِيعَانِ. فَطَلَبَا الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَرَكَ أَحَدُهُمَا، أَنْ يَكُونَ لِلْآخَرِ أَخْذُ قَدْرِ نَصِيبِهِ، وَلَا يَمْلِكُ أَخْذَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: قَدْ أَخَذْت الشِّقْصَ بِالثَّمَنِ الَّذِي تَمَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ. وَهُوَ عَالِمٌ بِقَدْرِهِ، وَبِالْمَبِيعِ، صَحَّ الْأَخْذُ، وَمَلْكُ الشِّقْصَ، وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَلَا لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشِّقْصَ يُؤْخَذُ قَهْرًا، وَالْمَقْهُورُ لَا خِيَارَ لَهُ، وَالْآخِذُ قَهْرًا، لَا خِيَارَ لَهُ أَيْضًا كَمُسْتَرْجِعِ الْمَبِيعِ لِعَيْبِ فِي ثَمَنِهِ، أَوْ الثَّمَنِ لِعَيْبٍ فِي الْمَبِيعَ.
وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولًا أَوْ الشِّقْصُ، لَمْ يَمْلِكْهُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي الْحَقِيقَةِ، فَيُعْتَبَرُ الْعِلْمُ بِالْعِوَضَيْنِ، كَسَائِرِ الْبُيُوعِ. وَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، ثُمَّ يَتَعَرَّفُ مِقْدَارَ الثَّمَنِ مِنْ الْمُشْتَرِي، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمَبِيعَ، فَيَأْخُذُهُ بِثَمَنِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُ الْأَخْذَ مَعَ جَهَالَةِ الشِّقْصِ، بِنَاءً عَلَى بَيْعِ الْغَائِبِ.
[فَصْلٌ أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الشِّقْصِ وَكَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي]
(٤٠٢٠) فَصْلٌ: وَإِذَا أَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَ الشِّقْصِ، وَكَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، أَخَذَهُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، أَخَذَهُ مِنْهُ وَكَانَ كَأَخْذِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي. هَذَا قِيَاسُ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَلْزَمُ فِي بَيْعِ الْعَقَارِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَيَدْخُلُ الْمَبِيعُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَضَمَانِهِ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْبَائِعِ، وَيُجْبِرُ الْحَاكِمُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى قَبْضِهِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ مِنْهُ. وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute