الثَّانِي، أَنَّهُ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ وَيَصِحُّ فِيمَا يُقَابِلُ الثَّمَنَ الْمُسَمَّى، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَخْذِ وَالْفَسْخِ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ، وَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ.
وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الْبُطْلَانَ إنَّمَا جَاءَ مِنْ الْمُحَابَاةِ، فَاخْتَصَّ بِمَا قَابِلَهَا. الْوَجْهُ الثَّالِثُ، أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ، وَيَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ صَحِيحَةٌ، فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، وَتَقِفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ لَهُ، فَإِنْ أَجَازُوا الْمُحَابَاةَ، صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْجَمِيعِ، وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَيَمْلِكُ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ رَدُّوا، بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الْمُحَابَاةِ، وَصَحَّ فِيمَا بَقِيَ.
وَلَا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ قَبْلَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ أَوْ رَدِّهِمْ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَبِيعِ، فَلَمْ يَمْلِكْ إبْطَالَهُ، وَلَهُ أَخْذُ مَا صَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ. وَإِنْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، وَفِي الَّتِي قَبْلَهَا، وَاخْتَارَ الشَّفِيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، قُدِّمَ الشَّفِيعُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَيَجْرِي مَجْرَى الْمَعِيبِ إذَا رَضِيَهُ الشَّفِيعُ بِعَيْبِهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي، إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَجْنَبِيًّا، وَالشَّفِيعُ أَجْنَبِيٌّ، فَإِنْ لَمْ تَزِدْ الْمُحَابَاةُ عَلَى الثُّلُثِ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِهَا بِذَلِكَ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ حَصَلَ بِهِ، فَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا كَوْنُ الْمَبِيعِ مُسْتَرْخِصًا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ، فَالْحُكْمُ فِيهِ حُكْمُ أَصْلِ الْمُحَابَاةِ فِي حَقِّ الْوَارِثِ.
وَإِنْ كَانَ الشَّفِيعُ وَارِثًا، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ وَقَعَتْ لِغَيْرِهِ، فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهَا تَمَكُّنُ الْوَارِثِ مِنْ أَخْذِهَا، كَمَا لَوْ وَهَبَ غَرِيمَ وَارِثِهِ مَالًا، فَأَخَذَهُ الْوَارِثُ. وَالثَّانِي، يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّنَا لَوْ أَثْبَتْنَاهَا جَعَلْنَا لِلْمَوْرُوثِ سَبِيلًا إلَى إثْبَاتِ حَقٍّ لِوَارِثِهِ فِي الْمُحَابَاةِ، وَيُفَارِقُ الْهِبَةَ لِغَرِيمِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَارِثِ الْأَخْذَ بِدَيْنِهِ لَا مِنْ جِهَةِ الْهِبَةِ، وَهَذَا اسْتِحْقَاقُهُ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ مِنْ مَوْرُوثِهِ، فَافْتَرَقَا.
وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا خَمْسَةُ أَوْجُهٍ، وَجْهَانِ كَهَذَيْنِ. وَالثَّالِثُ، أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ؛ لِإِفْضَائِهِ إلَى إيصَالِ الْمُحَابَاةِ إلَى الْوَارِثِ. وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ فَرْعٌ لِلْبَيْعِ. وَلَا يَبْطُلُ الْأَصْلُ بِبُطْلَانِ فَرْعٍ لَهُ وَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، مَا حَصَلَتْ لِلْوَارِثِ بِالْمُحَابَاةِ، إنَّمَا حَصَلَتْ لِغَيْرِهِ، وَوَصَلَتْ إلَيْهِ بِجِهَةِ الْأَخْذِ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَأَشْبَهَ هِبَةَ غَرِيمِ الْوَارِثِ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ، أَنَّ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرٍ مَا عَدَا الْمُحَابَاةَ بِقَدْرِهِ مِنْ الثَّمَنِ، بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ الْمُقَابِلِ لِلْمُحَابَاةِ؛ لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ بِالنِّصْفِ مَثَلًا هِبَةٌ لِلنِّصْفِ. وَهَذَا لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ هِبَةِ النِّصْفِ، مَا كَانَ لِلشَّفِيعِ الْأَجْنَبِيِّ أَخْذُ الْكُلِّ، لِأَنَّ الْمَوْهُوبَ لَا شُفْعَةَ فِيهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute