[فَصْلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَة فَضَمِنَ أَبُوهُ نَفَقَتهَا عَشْر سِنِينَ]
فَصْلٌ: إذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَضَمِنَ أَبُوهُ نَفَقَتَهَا عَشْرَ سِنِينَ، صَحَّ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنَّهُ ضَمَانُ مَجْهُولٍ، أَوْ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ، وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْن كَوْنِ الزَّوْجِ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ؛ فَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ كَقَوْلِنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ إلَّا ضَمَانُ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ؛ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُعْسِرِ يَتَغَيَّرُ حَالُهُ، فَيَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُوسِرِ أَوْ الْمُتَوَسِّطِ، فَيَكُونُ ضَمَانَ مَجْهُولٍ، وَالْمُعْسِرُ مَعْلُومٌ مَا عَلَيْهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَصِحُّ أَصْلًا، لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ. وَلَنَا أَنَّ الْحَبَلَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الضَّمَانِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ ضَمَانِ نَفَقَةِ الْمُعْسِرِ، مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ أَحَدُهُمَا فَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ، وَمَعَ ذَلِكَ صَحَّ الضَّمَانُ، فَكَذَلِكَ هَذَا.
[فَصْلٌ يَجِب الْمَهْر لِلْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا وَالْمَوْطُوءَة فِي نِكَاح فَاسِد]
(٥٦٥٥) فَصْلٌ: وَيَجِبُ الْمَهْرُ لِلْمَنْكُوحَةِ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَالْمَوْطُوءَةِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ. بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَيَجِبُ لِلْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى: أَنَّهُ لَا مَهْرَ لَهَا إنْ كَانَتْ ثَيِّبًا. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ. وَلَا يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي، أَنَّ أَحْمَدَ قَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ، فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيَّةِ إذَا أَكْرَهَهَا عَلَى الزِّنَى، وَهِيَ بِكْرٌ: فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا مَهْرَ لِلْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى.
وَلَنَا «قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» . وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ؛ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ مُسْتَحِلٌّ لِفَرْجِهَا، فَإِنَّ الِاسْتِحْلَالَ الْفِعْلُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْحِلِّ، كَقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ» . وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَوْجَبَ الْأَرْشَ لِكَوْنِهِ أَوْجَبَ الْمَهْرَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَرْشٍ، وَلِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَا يَجِبُ بَدَلُهُ بِالشُّبْهَةِ، وَفِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ كَرِهَا، فَوَجَبَ بَدَلُهُ كَإِتْلَافِ الْمَالِ، وَأَكْلِ طَعَامِ الْغَيْرِ.
وَلَنَا، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْأَرْشُ، أَنَّهُ وَطْءٌ ضَمِنَ بِالْمَهْرِ، فَلَمْ يَجِبْ مَعَهُ أَرْشٌ، كَسَائِرِ الْوَطْءِ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمَهْرَ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَوْفَاةِ بِالْوَطْءِ، وَبَدَلُ الْمُتْلَفِ لَا يَخْتَلِفُ بِكَوْنِهِ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ، وَكَوْنِهِ تَمَحَّضَ عُدْوَانًا، وَلِأَنَّ الْأَرْشَ يَدْخُلُ فِي الْمَهْرِ، لِكَوْنِ الْوَاجِبِ لَهَا مَهْرَ الْمِثْلِ، وَمَهْرُ الْبِكْرِ يَزِيدُ عَلَى مَهْرِ الثَّيِّبِ بِبَكَارَتِهَا، فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمَهْرِ مُقَابِلَةً لِمَا أُتْلِفَ مِنْ الْبَكَارَةِ، فَلَا يَجِبُ عِوَضُهَا مَرَّةً ثَانِيَةً.
يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ إذَا أُخِذَ أَرْشُ الْبَكَارَةِ مَرَّةً، لَمْ يَجُزْ أَخْذُهُ مَرَّةً أُخْرَى، فَتَصِيرُ كَأَنَّهَا مَعْدُومَةٌ، فَلَا يَجِبُ لَهَا إلَّا مَهْرُ ثَيِّبٍ، وَمَهْرُ الثَّيِّبِ مَعَ أَرْشِ الْبَكَارَةِ هُوَ مَهْرُ مِثْلِ الْبِكْرِ، فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute