- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَثْبَتُ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَثْرَةُ النَّاسِ، وَشِدَّةُ الزِّحَامِ عُذْرًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصَدَ تَعْلِيمَ النَّاسِ مَنَاسِكَهُمْ، فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ إلَّا بِالرُّكُوبِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم.
(٢٤٩٧) فَصْلٌ: إذَا طَافَ رَاكِبًا، أَوْ مَحْمُولًا، فَلَا رَمَلَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يَخُبُّ بِهِ بَعِيرُهُ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَفْعَلْهُ، وَلَا أَمَرَ بِهِ، وَلِأَنَّ مَعْنَى الرَّمَلِ لَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ. (٢٤٩٨) فَصْلٌ: فَأَمَّا السَّعْيُ رَاكِبًا، فَيُجْزِئُهُ لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَ الطَّوَافَ رَاكِبًا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِيهِ.
[مَسْأَلَة مَنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارَنَا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ النِّيَّة إذَا طَافَ وَسَعَى]
(٢٤٩٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ كَانَ مُفْرِدًا، أَوْ قَارِنًا، أَحْبَبْنَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا طَافَ وَسَعَى، وَيَجْعَلَهَا عُمْرَةً، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَيَكُونَ عَلَى إحْرَامِهِ) أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَحِلَّ مِنْ إحْرَامِ الْحَجِّ، وَيَجْعَلَهُ عُمْرَةً، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ، قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ، حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى، فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلْيُقَصِّرْ، وَلْيَحْلِلْ، ثُمَّ لِيُهِلّ بِالْحَجِّ، وَلْيُهْدِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا، فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مَنْ لَا هَدْي مَعَهُ، مِمَّنْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ إذَا طَافَ وَسَعَى أَنْ يَفْسَخَ نِيَّتَهُ بِالْحَجِّ، وَيَنْوِيَ عُمْرَةً مُفْرَدَةً، فَيُقَصِّرَ، وَيَحِلَّ مَنْ إحْرَامِهِ؛ لِيَصِيرَ مُتَمَتِّعًا، إنْ لَمْ يَكُنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَى أَنَّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ، وَسَعَى، فَقَدْ حَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ. وَبِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْحَسَنُ، وَمُجَاهِدٌ، وَدَاوُد، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ أَحَدُ النِّسْكَيْنِ، فَلَمْ يَجُزْ فَسْخُهُ كَالْعُمْرَةِ، فَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ، بِإِسْنَادِهِ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ بِلَالٍ الْمُزَنِيّ، عَنْ أَبِيهِ «، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً، أَوْ لِمَنْ أَتَى؟ قَالَ: لَنَا خَاصَّةً» .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ الْمُرَقِّعِ الْأَسَدِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «كَانَ مَا أَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَخَلْنَا مَكَّةَ، أَنْ نَجْعَلَهَا عُمْرَةً، وَنَحِلَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ لَنَا خَاصَّةً، رُخْصَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ جَمِيعِ النَّاسِ» .
وَلَنَا، أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الَّذِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَقَرَنُوا، أَنْ يَحِلُّوا كُلَّهُمْ، وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ، وَثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ، مُتَّفَقٍ عَلَيْهِنَّ، بِحَيْثُ يَقْرُبُ مِنْ التَّوَاتُرِ وَالْقَطْعِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَثُبُوتِهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلِمْنَاهُ
وَذَكَرَ أَبُو حَفْصٍ، فِي (شَرْحِهِ) ، قَالَ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَطَّةَ يَقُولُ: سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute