الشَّكِّ فِي شَرْطِهَا، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ لَهُمْ إقَامَتَهَا؛ لِأَنَّنَا لَمْ نَتَيَقَّنْ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى
(١٣٤٧) فَصْلٌ: وَإِنْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ فَتَبَيَّنَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ أُقِيمَتْ فِي الْمِصْرِ، بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ، وَلَزِمَهُمْ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّنَا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ، فَلَا تَصِحُّ، فَأَشْبَهَ، مَا لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ. وَقَالَ الْقَاضِي: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ ظُهْرًا، وَهَذَا مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ إتْمَامَهَا ظُهْرًا قِيَاسًا عَلَى الْمَسْبُوقِ الَّذِي أَدْرَكَ دُونَ الرَّكْعَةِ، وَكَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ فَانْفَضَّ الْعَدَدُ قَبْلَ إتْمَامِهَا.
وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ فَإِنَّ هَذَا أَحْرَمَ بِهَا فِي وَقْتٍ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِيهِ، وَلَا يَجُوزُ الْإِحْرَامُ بِهَا، وَالْأَصْلُ الَّذِي قَاسَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ هَذَا. (١٣٤٨) فَصْلٌ: وَإِذَا كَانَتْ قَرْيَةٌ إلَى جَانِبِ مِصْرٍ، يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ مِنْهُ، فَأَقَامُوا جُمُعَةً فِيهَا، لَمْ تَبْطُلْ جُمُعَةُ أَهْلِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُمْ فِي غَيْرِ الْمِصْرِ، وَلِأَنَّ لِجُمُعَةِ الْمِصْرِ مَزِيَّةً بِكَوْنِهَا فِيهِ. وَلَوْ كَانَ مِصْرَانِ مُتَقَارِبَانِ، يَسْمَعُ أَهْلُ كُلِّ مِصْرٍ نِدَاءَ الْمِصْرِ الْآخَرِ، كَأَهْلِ مِصْرَ وَالْقَاهِرَةِ، لَمْ تَبْطُلْ جُمُعَةُ أَحَدِهِمَا بِجُمُعَةِ الْآخَرِ.
وَكَذَلِكَ الْقَرْيَتَانِ الْمُتَقَارِبَتَانِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ حُكْمَ أَنْفُسِهِمْ، بِدَلِيلِ أَنَّ جُمُعَةَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ لَا يَتِمُّ عَدَدُهَا بِالْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَلَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ بِكَمَالِ الْعِدَّةِ بِالْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُمْ السَّعْيُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جُمُعَةٌ، فَهُمْ كَأَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْمِصْرِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ]
(١٣٤٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ) وَعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، رَحِمَهُ اللَّهُ، فِي الْعَبْدِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، أَنَّ الْجُمُعَةَ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ. وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى لَيْسَتْ عَلَيْهِ بِوَاجِبَةٍ. أَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهَا لَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَى النِّسَاءِ.
وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْحُضُورِ فِي مَجَامِعِ الرِّجَالِ، وَلِذَلِكَ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا جَمَاعَةٌ. وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ. قَالَهُ مَالِكٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالثَّوْرِيُّ فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ
وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، أَنَّهَا تَجِبُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَالْجُمُعَةُ أَوْلَى
وَلَنَا «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُسَافِرُ فَلَا يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ وَكَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُصَلِّ جُمُعَةً» وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، كَانُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute