للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ، فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْجُمُعَةَ فِي سَفَرِهِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَدْ قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُقِيمُونَ بِالرَّيِّ السَّنَةَ وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَبِسِجِسْتَانَ السِّنِينَ. لَا يُجَمِّعُونَ وَلَا يُشَرِّقُونَ وَعَنْ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: أَقَمْتُ مَعَهُ سَنَتَيْنِ بِكَابُلَ، يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُجَمِّعُ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ.

وَأَقَامَ أَنَسٌ بِنَيْسَابُورَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ، فَكَانَ لَا يُجَمِّعُ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَهَذَا إجْمَاعٌ مَعَ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ فِيهِ، فَلَا يُسَوَّغُ مُخَالَفَتُهُ. (١٣٥٠)

فَصْلٌ: فَأَمَّا الْعَبْدُ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ. وَهُوَ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ. وَالثَّانِيَةُ، تَجِبُ عَلَيْهِ، وَلَا يَذْهَبُ مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ. نَقَلَهَا الْمَرُّوذِيُّ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَبِذَلِكَ قَالَتْ طَائِفَةٌ، إلَّا أَنَّ لَهُ تَرْكَهَا إذَا مَنَعَهُ السَّيِّدُ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: ٩] . وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَالْجُمُعَةُ آكَدُ مِنْهَا، فَتَكُونُ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ

وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي يُؤَدِّي الضَّرِيبَةَ، لِأَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ قَدْ تَحَوَّلَ إلَى الْمَالِ، فَأَشْبَهَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ.

وَلَنَا، مَا رَوَى طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَقَالَ: طَارِقٌ رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ، وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَعَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَعَلَيْهِ الْجُمُعَةُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، إلَّا مَرِيضًا، أَوْ مُسَافِرًا، أَوْ امْرَأَةً، أَوْ صَبِيًّا، أَوْ مَمْلُوكًا» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ

وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ إلَّا عَلَى خَمْسَةٍ: امْرَأَةٍ، أَوْ صَبِيٍّ، أَوْ مَرِيضٍ، أَوْ مُسَافِرٍ، أَوْ عَبْدٍ» . رَوَاهُ رَجَاءُ بْنُ مُرَجًّى الْغِفَارِيُّ، فِي " سُنَنِهِ " وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهَا مِنْ مَكَان بَعِيدٍ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ، كَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكُ الْمَنْفَعَةِ، مَحْبُوسٌ عَلَى السَّيِّدِ أَشْبَهَ الْمَحْبُوسَ بِالدَّيْنِ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَجَازَ لَهُ الْمُضِيُّ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهَا، كَسَائِرِ الْفَرَائِضِ، وَالْآيَةُ مَخْصُوصَةٌ بِذَوِي الْأَعْذَارِ، وَهَذَا مِنْهُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>