الْمَسِيسِ، أَوْ مَاتَ عَنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ، فَعَلَيْهَا عِدَّةُ حُرَّةٍ كَامِلَةٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ حُرَّةً فِي حَالِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا. وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا وَهِيَ فِي عِدَّةِ الزَّوْجِ، عَتَقَتْ، وَلَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّهُ زَالَ فِرَاشُهُ عَنْهَا قَبْلَ مَوْتِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهَا اسْتِبْرَاءٌ مِنْ أَجْلِهِ، كَغَيْرِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا بَاعَهَا ثُمَّ مَاتَ.
وَتَبْنِي عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ إنْ كَانَ طَلَاقُهَا بَائِنًا، أَوْ كَانَتْ مُتَوَفَّى عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ رَجْعِيَّةً، بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ، عَلَى مَا مَضَى. وَإِنْ بَانَتْ مِنْ الزَّوْجِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ، أَوْ بَانَتْ بِمَوْتِ زَوْجِهَا، أَوْ طَلَاقِهِ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَضَتْ عِدَّتَهُ، ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهَا، فَعَلَيْهَا الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهَا عَادَتْ إلَى فِرَاشِهِ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ، إلَّا أَنْ يَرُدَّهَا السَّيِّدُ إلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهُ قَدْ زَالَ بِتَزْوِيجِهَا، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ لَهَا مَا يَرُدُّهَا إلَيْهِ، فَأَشْبَهَتْ الْأَمَةَ غَيْرَ الْمَوْطُوءَةِ.
[فَصْلٌ عِدَّة الْأَمَة الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَلَمْ تَعْلَمْ أَيُّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا]
(٦٣٧١) فَصْلٌ: فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا، وَلَمْ تَعْلَمْ أَيَّهُمَا مَاتَ أَوَّلًا، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، لَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّ فِرَاشَ سَيِّدِهَا قَدْ زَالَ عَنْهَا، وَلَمْ تَعُدْ إلَيْهِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ لِوَفَاةِ زَوْجِهَا عِدَّةَ الْحَرَائِرِ؛ وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ سَيِّدَهَا مَاتَ أَوَّلًا، ثُمَّ مَاتَ زَوْجُهَا وَهِيَ حُرَّةً فَلَزِمَهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ، لِتَخْرُجَ مِنْ الْعِدَّةِ بِيَقِينٍ. وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ، إنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ فَمَا دُونُ، فَلَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إنْ كَانَ مَاتَ أَوَّلًا، فَقَدْ مَاتَ وَهِيَ زَوْجَتُهُ، وَإِنْ كَانَ مَاتَ آخِرًا، فَقَدْ مَاتَ وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ، وَلَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاءٌ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَعْتَدَّ بَعْدَ مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا عِدَّةَ الْحُرَّةِ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ مَوْتِهِمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلَيْهَا بَعْد مَوْتِ الْآخَرِ مِنْهُمَا أَطْوَلُ الْأَجَلَيْنِ، مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَاسْتِبْرَاءٍ بِحَيْضَةٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ السَّيِّدَ مَاتَ أَوَّلًا، فَيَكُونُ عَلَيْهَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنْ الْوَفَاةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ آخِرًا، بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَعَوْدِهَا إلَى فِرَاشِهِ، فَلَزِمَهَا الِاسْتِبْرَاءُ بِحَيْضَةٍ، فَوَجَبَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِيَسْقُطَ الْفَرْضُ بِيَقِينٍ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْقَائِلِينَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ مِنْ سَيِّدِهَا بِحَيْضَةٍ، وَمِنْ زَوْجِهَا شَهْرَانِ وَخَمْسُ لَيَالٍ، فَإِنْ جُهِلَ مَا بَيْنَ مَوْتِهِمَا، فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوْ عَلِمْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ، احْتِيَاطًا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ بِيَقِينٍ، كَمَا أَخَذْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فِي الْإِيجَابِ بَيْنَ عِدَّةِ حُرَّةٍ وَحَيْضَةٍ، فِيمَا إذَا عَلِمْنَا أَنَّ بَيْنَهُمَا شَهْرَيْنِ وَخَمْسَ لَيَالٍ.
وَقَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، إلَّا أَنَّهُمْ جَعَلُوا مَكَانَ الْحَيْضَةِ ثَلَاثَ حَيْضَاتٍ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي اسْتِبْرَاءِ أُمِّ الْوَلَدِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ حُكْمُهَا حُكْمُ الْإِمَاءِ، وَعَلَيْهَا شَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ، وَلَا أَنْقُلُهَا إلَى حُكْمِ الْحَرَائِرِ إلَّا بِإِحَاطَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute