للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجْذُومًا.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ.»

[فَصْلٌ الِاحْتِكَار الْمُحْرِم]

فَصْلٌ: وَالِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ مَا اجْتَمَعَ فِيهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ؛ أَحَدُهَا، أَنْ يَشْتَرِيَ، فَلَوْ جَلَبَ شَيْئًا، أَوْ أَدْخَلَ مِنْ غَلَّتِهِ شَيْئًا، فَادَّخَرَهُ، لَمْ يَكُنْ مُحْتَكِرًا. رُوِيَ [عَنْ] الْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ الْجَالِبُ لَيْسَ بِمُحْتَكَرِ؛ لِقَوْلِهِ: «الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ، وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ» وَلِأَنَّ الْجَالِبَ لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَضُرُّ بِهِ، بَلْ يَنْفَعُ، فَإِنَّ النَّاسَ إذَا عَلِمُوا عِنْدَهُ طَعَامًا مُعَدًّا لِلْبَيْعِ، كَانَ ذَلِكَ أَطْيَبُ لَقُلُوبِهِمْ مِنْ عَدَمِهِ. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى قُوتًا.

فَأَمَّا الْإِدَامُ، وَالْحَلْوَاءُ، وَالْعَسَلُ، وَالزَّيْتُ، وَأَعْلَافُ الْبَهَائِمِ، فَلَيْسَ فِيهَا احْتِكَارٌ مُحَرَّمٌ. قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُسْأَلُ، عَنْ أَيِّ شَيْءٍ الِاحْتِكَارُ؟ قَالَ: إذَا كَانَ مِنْ قُوتِ النَّاسِ فَهُوَ الَّذِي يُكْرَهُ. وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو. وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ الِاحْتِكَارِ - يَحْتَكِرُ الزَّيْتَ. قَالَ أَبُو دَاوُد: كَانَ يَحْتَكِرُ النَّوَى، وَالْخَيْطَ، وَالْبِزْرَ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِمَّا لَا تَعُمُّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا، فَأَشْبَهَتْ الثِّيَابَ، وَالْحَيَوَانَاتِ. الثَّالِثُ، أَنْ يُضَيِّقَ عَلَى النَّاسِ بِشِرَائِهِ. وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِأَمْرَيْنِ؛ أَحَدِهِمَا، يَكُونُ فِي بَلَدٍ يُضَيِّقُ بِأَهْلِهِ الِاحْتِكَارُ، كَالْحَرَمَيْنِ، وَالثُّغُورِ. قَالَ أَحْمَدُ: الِاحْتِكَارُ فِي مِثْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَالثُّغُورِ.

فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْبِلَادَ الْوَاسِعَةَ الْكَثِيرَةَ الْمَرَافِقِ وَالْجَلَبِ كَبَغْدَادَ، وَالْبَصْرَةِ وَمِصْرَ، لَا يَحْرُمُ فِيهَا الِاحْتِكَارُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا غَالِبًا. الثَّانِي، أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الضَّيِّقِ، بِأَنْ يَدْخُلَ الْبَلَدَ قَافِلَةٌ فَيَتَبَادَرُ ذَوُو الْأَمْوَالِ فَيَشْتَرُونَهَا، وَيُضَيِّقُونَ عَلَى النَّاسِ. فَأَمَّا إنْ اشْتَرَاهُ فِي حَالِ الِاتِّسَاعِ وَالرُّخْصِ، عَلَى وَجْهٍ لَا يُضَيِّقُ عَلَى أَحَدٍ فَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ.

[مَسْأَلَةٌ بَيْع الْعَصِير لِمَنْ يَعْتَقِد أَنَّهُ يَتَّخِذهُ خَمْرًا]

(٣١١٣) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَبَيْعُ الْعَصِيرِ مِمَّنْ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا بَاطِلٌ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ؛ أَنَّ بَيْعَ الْعَصِيرِ لِمَنْ يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا مُحَرَّمٌ. وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ، وَذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْبَائِعَ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَعْصِرُهَا خَمْرًا، فَهُوَ مُحَرَّمٌ، وَأَنَّمَا يُكْرَهُ إذَا شَكَّ فِيهِ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرَ عَنْ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ التَّمْرِ لِمَنْ يَتَّخِذُهُ مُسْكِرًا. قَالَ الثَّوْرِيُّ بِعْ الْحَلَالَ مِمَّنْ شِئْت. وَاحْتَجَّ لَهُمْ بُقُولِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَلِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ بِأَرْكَانِهِ وَشُرُوطِهِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] وَهَذَا نَهْيٌ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشَرَةً.

فَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْخَمْرَ، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ، وَشَارِبَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>