أَحَدُهُمَا، أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عُشْرُ الْحَبِّ وَعُشْرُ الْحَبِّ حَبٌّ، فَاعْتُبِرَ الْوَاجِبُ، وَهَا هُنَا الْوَاجِبُ الْإِطْعَامُ، وَالْخُبْزُ أَقْرَبُ إلَيْهِ.
وَالثَّانِي، أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ يُرَادُ لِلِاقْتِيَاتِ فِي جَمِيعِ الْعَامِ، فَيَحْتَاجُ إلَى ادِّخَارِهِ، فَاعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ عَلَى صِفَةٍ تُمَكِّنُ مِنْ ادِّخَارَهُ عَامًا، وَالْكَفَّارَةُ تُرَادُ لِدَفْعِ حَاجَةِ يَوْمِهِ، وَلِهَذَا تَقَدَّرَتْ بِمَا الْغَالِبُ أَنَّهُ يَكْفِيهِ لِيَوْمِهِ، وَالْخُبْزُ أَقْرَبُ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَفَاهُ مُؤْنَةَ طَحْنِهِ وَخَبْزِهِ. إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ أَعْطَى الْمِسْكِينَ رِطْلَيْ خُبْزٍ بِالْعِرَاقِيِّ، أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ أَقَلَّ مِنْ مُدٍّ، وَقُدِّرَ ذَلِكَ بِالرِّطْلِ الدِّمَشْقِيِّ الَّذِي هُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، خَمْسُ أَوَاقٍ وَسُبْعُ أُوقِيَّةٍ، وَإِنْ طَحَنَ مُدًّا، وَخَبَزَهُ، أَجْزَأَهُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ.
وَكَذَلِكَ إذَا دَفَعَ دَقِيقَ الْمُدِّ إلَى الْمِسْكِينِ، أَجْزَأَهُ. وَإِنْ دَفَعَ الدَّقِيقَ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ حِنْطَتِهِ، فَقَالَ أَحْمَدُ: يُجْزِئُهُ بِالْوَزْنِ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، وَلَا يُجْزِئُهُ إخْرَاجُ مُدِّ دَقِيقٍ بِالْكَيْلِ؛ لِأَنَّهُ يَرُوعُ بِالطَّحْنِ، فَحُصِّلَ فِي مُدِّ دَقِيقِ الْحَبِّ أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ الْحَبِّ. وَإِنْ زَادَ فِي الدَّقِيقِ عَنْ مُدٍّ، بِحَيْثُ يُعْلَمُ إنَّهُ قَدْرُ مُدِّ حِنْطَةٍ، جَازَ. وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ فِي مُدِّ مِنْ دَقِيقٍ. يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إخْرَاجَهُ بِالْوَزْنِ، كَمَا ذَكَرَ أَحْمَدُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ مُدًّا مِنْ الْحِنْطَةِ، طَحَنَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ دَقِيقَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ إخْرَاجَ مَا يَعْلَمُ أَنَّ حَبَّهُ مُدٌّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي الدَّقِيقِ وَالْخُبْزِ عَلَى دَقِيقِ الْحِنْطَةِ وَخُبْزِهَا، فَإِنْ أَعْطَى مِنْ الشَّعِيرِ، لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا ضِعْفُ ذَلِكَ، كَمَا لَا يُجْزِئُ مِنْ حَبِّهَا إلَّا ضِعْفُ مَا يُجْزِئُ مِنْ حَبِّ الْبَرِّ. (٨٠٢٢) فَصْلٌ: وَالْأَفْضَلُ إخْرَاجُ الْحَبِّ؛ لِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. قَالَ أَحْمَدُ التَّمْرُ أَعْجَبُ إلَيَّ، وَالدَّقِيقُ ضَعِيفٌ، وَالتَّمْرُ أَحَبُّ إلَيَّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُ الْخُبْزِ أَفْضَلَ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمِسْكِينِ، وَأَقَلُّ كُلْفَةً، وَأَقْرَبُ إلَى حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ بِغُنْيَتِهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمِسْكِينَ يَأْكُلُهُ، وَيَسْتَغْنِي بِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ، وَالْحَبُّ يَعْجِزُ عَنْ طَحْنِهِ وَعَجْنِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَيْعِهِ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِثَمَنِهِ خُبْزًا، فَيَتَكَلَّفُ حَمْلَ كُلْفَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَغَبْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي لَهُ، وَتَأَخُّرَ حُصُولِ النَّفْعِ بِهِ، وَرُبَّمَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ بِثَمَنِهِ مِنْ الْخُبْزِ مَا يَكْفِيهِ لِيَوْمِهِ، فَيَفُوتُ الْمَقْصُودُ مَعَ حُصُولِ الضَّرَرِ.
[فَصْلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرَجُ فِي الْكَفَّارَةِ سَالِمًا مِنْ الْعَيْبِ]
فَصْلٌ: وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُخْرَجُ فِي الْكَفَّارَةِ سَالِمًا مِنْ الْعَيْبِ، فَلَا يَكُونُ الْحَبُّ مَسُوسًا، وَلَا مُتَغَيِّرًا طَعْمُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute