[كِتَابُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ]
ِ الْأَصْلُ فِي حُكْمِهِمْ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المائدة: ٣٣] . وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ، نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْمُرْتَدِّينَ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ نُزُولِهَا قِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ، وَكَانُوا ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ، وَقَتَلُوا الرُّعَاةَ، فَاسْتَاقُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ، فَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ جَاءَ بِهِمْ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ، وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ، وَأَلْقَاهُمْ فِي الْحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا. قَالَ أَنَسٌ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: ٣٣] الْآيَةَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ. وَلِأَنَّ مُحَارَبَةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إنَّمَا تَكُونُ مِنْ الْكُفَّارِ لَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] . وَالْكُفَّارُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ، كَمَا تُقْبَلُ قَبْلَهَا، وَيَسْقُطُ عَنْهُمْ الْقَتْلُ وَالْقَطْعُ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالْمُحَارَبَةُ قَدْ تَكُونُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: ٢٧٨] {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: ٢٧٩]
(٧٣٢١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُحَارِبُونَ الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلْقَوْمِ بِالسِّلَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ، فَيَغْصِبُونَهُمْ الْمَالَ مُجَاهَرَةً) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُحَارِبِينَ الَّذِينَ تَثْبُتُ لَهُمْ أَحْكَامُ الْمُحَارَبَةِ الَّتِي نَذْكُرُهَا بَعْدُ، تُعْتَبَرُ لَهُمْ شُرُوطٌ ثَلَاثَةٌ؛ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُحَارِبِينَ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يُسَمَّى حَدَّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَقَطْعُ الطَّرِيقِ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّحْرَاءِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ فِي الْمِصْرِ يَلْحَقُ بِهِ الْغَوْثُ غَالِبًا، فَتَذْهَبُ شَوْكَةُ الْمُعْتَدِينَ، وَيَكُونُونَ مُخْتَلِسِينَ، وَالْمُخْتَلِسُ لَيْسَ بِقَاطِعٍ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ.
وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا: هُوَ قَاطِعٌ حَيْثُ كَانَ. وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو ثَوْرٍ؛ لِتَنَاوُلِ الْآيَةِ بِعُمُومِهَا كُلَّ مُحَارِبٍ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ إذَا وُجِدَ فِي الْمِصْرِ كَانَ أَعْظَمَ خَوْفًا، وَأَكْثَرَ ضَرَرًا، فَكَانَ بِذَلِكَ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute