وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، فِي سُنَنِهِ، عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ جَمِيعًا. قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ ابْنِ عَوْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، أَنَّ عُثْمَانَ قَضَى بِذَلِكَ.
وَلِأَنَّ الْأَجَلَ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَإِذَا قَدَّمَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ، فَسَقَطَ، كَسَائِرِ الْحُقُوقِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ عَلَى فِعْلٍ فِي وَقْتٍ، فَفَعَلَهُ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَعْتِقْ، فَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: إذَا أَدَّيْتَ إلَيَّ أَلْفًا فِي رَمَضَانَ. فَأَدَّاهُ فِي شَعْبَانَ، لَمْ يَعْتِقْ. قُلْنَا: تِلْكَ صِفَةٌ مُجَرَّدَةٌ، لَا يَعْتِقُ إلَّا بِوُجُودِهَا، وَالْكِتَابَةُ مُعَاوَضَةٌ يَبْرَأُ فِيهَا بِأَدَاءِ الْعِوَضِ، فَافْتَرَقَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْعِوَضِ فِي الْمُكَاتَبَةِ، عَتَقَ، وَلَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الْمَالِ فِي الصِّفَةِ الْمُجَرَّدَةِ، لَمْ يَعْتِقْ.
وَالْأَوْلَى، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَا قَالَهُ الْقَاضِي، فِي أَنَّ مَا كَانَ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ، لَمْ يَلْزَمْهُ، قَبْضُهُ وَلَمْ يَعْتِقْ بِبَذْلِهِ؛ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي لَمْ يَقْتَضِهِ الْعَقْدُ، وَخَبَرُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى وُجُوبِ قَبْضِ مَا فِيهِ ضَرَرٌ، وَلِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَوْ لَقِيَهُ فِي بَلَدٍ آخَرَ، فَدَفَعَ إلَيْهِ نُجُومَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْضَهَا، فَامْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا لِضَرَرٍ فِيهِ مِنْ خَوْفٍ، أَوْ مُؤْنَةِ حَمْلٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ؛ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الضَّرَرِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ، لَزِمَهُ قَبْضُهُ. كَذَا هَاهُنَا. وَكَلَامُ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْخِرَقِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ.
[فَصْلٌ أَحْضَرَ الْمُكَاتَبُ مَالَ الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْضَهُ لِيُسَلِّمَهُ فَقَالَ السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ لَا أَقْبَلُهُ مِنْكَ]
(٨٧١٥) فَصْلٌ: إذَا أَحْضَرَ الْمُكَاتَبُ مَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بَعْضَهُ، لِيُسَلِّمَهُ، فَقَالَ السَّيِّدُ: هَذَا حَرَامٌ، أَوْ غَصْبٌ، لَا أَقْبَلُهُ مِنْكَ. سُئِلَ الْعَبْدُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ، لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَخْذُ الْمُحَرَّمِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ، وَإِنْ أَنْكَرَ، وَكَانَتْ لِلسَّيِّدِ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَتُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي أَنْ لَا يَقْتَضِيَ دَيْنَهُ مِنْ حَرَامٍ، وَلَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ بِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ، لَمْ يَلْزَمْ السَّيِّدَ قَبُولُهُ أَيْضًا، وَإِنْ حَلَّفَهُ، قِيلَ لِلسَّيِّدِ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَهُ وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَهُ لِيَعْتِقَ. فَإِنْ قَبَضَهُ، وَكَانَ تَمَامَ كِتَابَتِهِ، عَتَقَ، ثُمَّ يُنْظَرُ؛ فَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ حَرَامٌ مُطْلَقًا، لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ بِهِ لِأَحَدٍ، وَإِنَّمَا تَحْرِيمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ غَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ، لَزِمَهُ دَفْعُهُ إلَيْهِ إنْ ادَّعَاهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي حَقِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute