أَصَابَهُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ صَاحِبِهِ، فَوَجَدْنَاهُ مَيِّتًا، وَلَمْ نَعْلَمْ هَلْ صَارَ بِالْأَوَّلِ مُمْتَنِعًا أَوْ لَا؟ حَلَّ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الِامْتِنَاعُ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ أَيْدِيَهُمَا عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا أَثْبَتُّهُ، ثُمَّ قَتَلْته أَنْتَ. حَرُمَ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَيَتَحَالَفَانِ لِأَخْذِ الضَّمَانِ.
وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا، فَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَثْبَتَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ، وَأَنْكَرَ الثَّانِي إثْبَاتَ الْأَوَّلِ لَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ امْتِنَاعِهِ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِإِقْرَارِهِ بِتَحْرِيمِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي فِي عَدَمِ الِامْتِنَاعِ مَعَ يَمِينِهِ. وَإِنْ عُلِمَتْ جِرَاحَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، نَظَرْنَا فِيهَا، فَإِنْ عُلِمَ أَنَّ جِرَاحَةَ الْأَوَّلِ لَا يَبْقَى مَعَهَا امْتِنَاعٌ، مِثْلُ أَنْ كَسَرَ جَنَاحَ الطَّائِرِ، أَوْ سَاقَ الظَّبْيِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَوَّلِ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُزِيلُ الِامْتِنَاعَ، مِثْلُ خَدْشِ الْجِلْدِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي، وَإِنْ احْتَمَلَ الْأَمْرَيْنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ، وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ؛ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ الْأَوَّلُ مُحْتَمِلٌ.
[فَصْلٌ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَبَقِيَ عَلَى امْتِنَاعِهِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَأَخَذَهُ]
(٧٧٣٥) فَصْلٌ: وَإِنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ، وَبَقِيَ عَلَى امْتِنَاعِهِ حَتَّى دَخَلَ دَارَ إنْسَانٍ فَأَخَذَهُ، فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَمْلِكْهُ، لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعًا، فَمَلَكَهُ الثَّانِي بِأَخْذِهِ. وَلَوْ رَمَى طَائِرًا عَلَى شَجَرَةٍ فِي دَارِ قَوْمٍ، فَطَرَحَهُ فِي دَارِهِمْ فَأَخَذُوهُ، فَهُوَ لِلرَّامِي دُونَهُمْ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِإِزَالَةِ امْتِنَاعِهِ.
[فَصْلٌ تَعَلَّقَ صَيْدٌ فِي شَرَكِ إنْسَانٍ أَوْ شَبَكَتِهِ]
(٧٧٣٦) فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا تَعَلَّقَ صَيْدٌ فِي شَرَكِ إنْسَانٍ أَوْ شَبَكَتِهِ؛ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَته بِآلَتِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ أَحَدٌ، لَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ آلَتَهُ أَثْبَتَتْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَثْبَتَهُ بِسَهْمِهِ. فَإِنْ لَمْ تُمْسِكْهُ الشَّبَكَةُ، بَلْ انْفَلَتَ مِنْهَا فِي الْحَالِ، أَوْ بَعْدَ حِينٍ، لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ. وَإِنْ أَخَذَ الشَّبَكَةَ وَانْفَلَتَ بِهَا، فَصَادَهُ إنْسَانٌ، مَلَكَهُ، وَيَرُدُّ الشَّبَكَةَ عَلَى صَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْهُ. وَإِنْ كَانَ يَمْشِي بِالشَّبَكَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ، فَهُوَ لِصَاحِبِهَا؛ لِأَنَّهَا أَزَالَتْ امْتِنَاعَهُ.
وَإِذَا أَمْسَكَهُ الصَّائِدُ، وَثَبَتَتْ يَدُهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْفَلَتَ مِنْهُ، لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ امْتَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ ثُبُوتِ مِلْكِهِ، فَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ شَرَدَتْ فَرَسُهُ، أَوْ نَدَّ بَعِيرُهُ.
فَإِنْ اصْطَادَ صَيْدًا، فَوَجَدَ عَلَيْهِ عَلَامَةً، مِثْلُ أَنْ يَجِدَ فِي عُنُقِهِ قِلَادَةً، أَوْ فِي أُذُنِهِ قُرْطًا، لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّ الَّذِي اصْطَادَهُ مَلَكَهُ، فَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالِانْفِلَاتِ. وَكَذَلِكَ إنْ وَجَدَ طَائِرًا مَقْصُوصَ الْجَنَاحِ.
فَإِنْ قِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّ الَّذِي أَمْسَكَهُ أَوَّلًا مُحْرِمٌ لَمْ يَمْلِكْهُ، أَوْ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّخْلِيَةِ وَإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْهُ، كَإِلْقَاءِ الشَّيْءِ التَّافِهِ. قُلْنَا: أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَادِرٌ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ؛ لِأَنَّ ظَاهَرَ حَالِ الْمُحْرِمِ أَنَّهُ لَا يَصِيدُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَخِلَافُ الْأَصْلِ، فَإِنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مِلْكِهِ عَلَيْهِ، وَمَا ذَكَرُوهُ مُحْتَمِلٌ، فَلَا يَزُولُ الْمِلْكُ بِالشَّكِّ.
وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ مَالِكَهُ أَرْسَلَهُ اخْتِيَارًا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يَزُولُ الْمِلْكُ عَنْهُ