[فَصْلٌ مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَدِّ]
(٦٢٥٣) فَصْلٌ: وَإِذَا مَاتَ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَدِّ، سَقَطَ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الطَّلَبُ بِهِ. وَقَالَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ يُورَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَالَبَ بِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ تَرَكَ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» . وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ، يُورَثُ إذَا طَالَبَ بِهِ، فَيُورَثُ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ، كَحَقِّ الْقِصَاصِ. وَلَنَا، أَنَّهُ حَدٌّ تُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُطَالَبَةُ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الطَّلَبُ مِنْ الْمَالِكِ، لَمْ يَجِبْ، كَحَدِّ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ الْمَتْرُوكَ يُورَثُ، وَهَذَا لَيْسَ بِمَتْرُوكٍ، وَأَمَّا حَقُّ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ حَقٌّ يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَيَنْتَقِلُ إلَى الْمَالِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ، فَأَمَّا إنْ طَالَبَ بِهِ ثُمَّ مَاتَ، فَإِنَّهُ تَرِثُهُ الْعَصَبَاتُ مِنْ النَّسَبِ دُونَ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ لِدَفْعِ الْعَارِ، فَاخْتَصَّ بِهِ الْعَصَبَاتُ، كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ. وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَمَتَى ثَبَتَ لِلْعَصَبَاتِ، فَلَهُمْ اسْتِيفَاؤُهُ. وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمْ وَحْدَهُ، فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ.
وَإِنْ عَفَى بَعْضُهُمْ، لَمْ يَسْقُطْ، وَكَانَ لِلْبَاقِينَ اسْتِيفَاؤُهُ. وَلَوْ بَقِيَ وَاحِدٌ، كَانَ لَهُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يُرَادُ لِلرَّدْعِ وَالزَّجْرِ، فَلَمْ يَتَبَعَّضْ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ، وَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِدَفْعِ الْعَارِ عَنْ الْمَقْذُوفِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَصَبَاتِ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَائِهِ، فَيَثْبُتُ لَهُ جَمِيعُهُ، كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَيُفَارِقُ حَقَّ الْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَفُوتُ إلَى بَدَلٍ، وَلَوْ أَسْقَطْنَاهُ هَاهُنَا، لَسَقَطَ حَقُّ غَيْرِ الْعَافِي إلَى غَيْرِ بَدَلٍ. فَعَلَى هَذَا، لَوْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَمَاتَتْ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ، وَلَهَا أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتهَا غَيْرُهُ، فَلَهُ اسْتِيفَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا عَصَبَتَهَا، وَلَيْسَ لَهَا أَحَدٌ سِوَاهُ، سَقَطَ. وَإِنْ كَانَ لَهَا مِنْ عَصَبَتهَا غَيْرُهُ، فَلَهُ الطَّلَبُ بِهِ، وَلَا يَسْقُطُ؛ بِمَا ذَكَرْنَا، مِنْ أَنَّهُ يَكْمُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ، بِخِلَافِ الْقِصَاصِ.
[فَصْل قَذَفَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِزِنَاهَا]
(٦٢٥٤) فَصْلٌ: وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ، وَلَهُ بَيِّنَةٌ، تَشْهَدُ بِزِنَاهَا، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ لِعَانِهَا وَبَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهُمَا بَيِّنَتَانِ، فَكَانَتْ لَهُ الْخِيرَةُ فِي إقَامَةِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، كَمَنْ لَهُ بِدَيْنٍ شَاهِدَانِ وَشَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يَحْصُلُ بِهَا مَا لَا يَحْصُلُ بِالْأُخْرَى، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِاللِّعَانِ نَفْيُ النَّسَبِ الْبَاطِلِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ، وَيَحْصُلُ بِالْبَيِّنَةِ ثُبُوتُ زِنَاهَا، وَإِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْصُلُ بِاللِّعَانِ، فَإِنْ لَاعَنَهَا وَنَفَى وَلَدَهَا، ثُمَّ أَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ، فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا أَقَامَهَا، ثَبَتَ مُوجَبُ اللِّعَانِ وَمُوجَبُ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَوَّلًا، ثَبَتَ الزِّنَا وَمُوجَبُهُ، وَلَمْ يَنْتَفِ عَنْهُ الْوَلَدُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الزِّنَا كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ. وَإِنْ أَرَادَ لِعَانَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ، لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ قَدْ انْتَفَى عَنْهُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي، لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى.
[فَصْلٌ قَذَفَهَا فَطَالَبَتْهُ بِالْحَدِّ فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا]
(٦٢٥٥) فَصْلٌ: وَإِنْ قَذَفَهَا، فَطَالَبَتْهُ بِالْحَدِّ، فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عَلَى إقْرَارِهَا بِالزِّنَا، سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَصْدِيقُهَا إيَّاهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute