للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْفَى يُبْطِلُ شَهَادَتَهُمَا، فَفِيمَا يَظْهَرُ أَوْلَى.

وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحَدَهُمَا ظَنَّ الْمَسْرُوقَ ذَكَرًا، وَظَنَّهُ الْآخَرُ أُنْثَى، وَقَدْ أَوْجَبَ هَذَا رَدَّ شَهَادَتِهِمَا، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا. الثَّانِي: الِاعْتِرَافُ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ يَعْتَرِفَ مَرَّتَيْنِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَبُو يُوسُفَ، وَزُفَرُ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ. وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُقْطَعُ بِاعْتِرَافِ مَرَّةٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ التَّكْرَارُ، كَحَقِّ الْآدَمِيِّ. وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ، فَقَالَ لَهُ: مَا إخَالُك سَرَقْت. قَالَ: بَلَى. فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَأَمَرَ بِهِ، فَقُطِعَ» . وَلَوْ وَجَبَ الْقَطْعُ بِأَوَّلِ مَرَّةٍ، لَمَا أَخَّرَهُ. وَرَوَى سَعِيدٌ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَسُفْيَانَ، وَأَبِي الْأَحْوَصِ، وَأَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ شَهِدْت عَلِيًّا، وَأَتَاهُ رَجُلٌ، فَأَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ، فَرَدَّهُ، وَفِي لَفْظٍ: فَانْتَهَرَهُ. وَفِي لَفْظٍ: فَسَكَتَ عَنْهُ. وَقَالَ غَيْرُ هَؤُلَاءِ: فَطَرَدَهُ. ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَقَرَّ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: شَهِدْت عَلَى نَفْسِك مَرَّتَيْنِ. فَأَمَرَ بِهِ، فَقُطِعَ، وَفِي لَفْظٍ: قَدْ أَقْرَرْت عَلَى نَفْسِك مَرَّتَيْنِ. وَمِثْلُ هَذَا يَشْتَهِرُ، فَلَمْ يُنْكَرْ.

وَلِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا فِي حَدٍّ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِهِ التَّكْرَارُ، كَحَدِّ الزِّنَا. وَلِأَنَّهُ أَحَدُ حُجَّتَيْ الْقَطْعِ، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ التَّكْرَارُ، كَالشَّهَادَةِ. وَقِيَاسُهُمْ يُنْتَقَضُ بِحَدِّ الزِّنَا عِنْدَ مَنْ اعْتَبَرَ التَّكْرَارَ، وَيُفَارِقُ حَقَّ الْآدَمِيِّ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، وَالتَّضْيِيقِ، وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا. (٧٣١٠) فَصْلٌ: وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَذْكُرَ فِي إقْرَارِهِ شُرُوطَ السَّرِقَةِ، مِنْ النِّصَابِ وَالْحِرْزِ، وَإِخْرَاجِهِ مِنْهُ (٧٣١١) فَصْلٌ: وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي هَذَا سَوَاءٌ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ وَذَلِكَ لِعُمُومِ النَّصِّ فِيهِمَا، وَلِمَا رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ،: أَنَّ عَلِيًّا قَطَعَ عَبْدًا أَقَرَّ عِنْدَهُ بِالسَّرِقَةِ.

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: كَانَ عَبْدًا. يَعْنِي الَّذِي قَطَعَهُ عَلِيٌّ. وَيُعْتَبَرُ أَنْ يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ. وَرَوَى مُهَنَّا، عَنْ أَحْمَدَ: إذَا أَقَرَّ الْعَبْدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ سَرَقَ، قُطِعَ. وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ اعْتَبَرَ إقْرَارَهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، لِيَكُونَ عَلَى النِّصْفِ مِنْ الْحُرِّ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِخَبَرِ عَلِيٍّ؛ وَلِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِحَدٍّ، فَاسْتَوَى فِي عَدَدِهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ، كَسَائِرِ الْحُدُودِ.

[مَسْأَلَةٌ رَجَعَ السَّارِقُ عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ الْقَطْعِ]

(٧٣١٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يَنْزِعُ عَنْ إقْرَارِهِ حَتَّى يُقْطَعَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>