وَلَنَا، أَنَّهُ أَمْكَنَ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ، فَوَجَبَ، كَمَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ، وَلِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْصِدَ بِصَلَاتِهِ وَدُعَائِهِ الْأَكْثَرَ، جَازَ قَصْدُ الْأَقَلِّ، وَيَبْطُلُ مَا قَالُوهُ بِمَا إذَا اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ، أَوْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّيَاتٍ، ثَبَتَ الْحُكْمُ لِلْأَقَلِّ، دُونَ الْأَكْثَرِ.
[فَصْلٌ وُجِدَ مَيِّتٌ لَمْ يُعْلَمْ أَمُسْلِمٌ هُوَ أُمّ كَافِرٌ]
(١٦٣٨) فَصْلٌ: وَإِنْ وُجِدَ مَيِّتٌ، فَلَمْ يُعْلَمْ أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ، نُظِرَ إلَى الْعَلَامَاتِ، مِنْ الْخِتَانِ، وَالثِّيَابِ، وَالْخِضَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ عَلَامَةٌ، وَكَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، غُسِّلَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْكُفْرِ، لَمْ يُغَسَّلْ، وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَنْ كَانَ فِي دَارٍ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا، يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُهُمْ مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى خِلَافِهِ دَلِيلٌ.
[مَسْأَلَةٌ الْمُحْرِمُ يُغَسَّلُ بِمَاءِ وَسِدْرٍ]
(١٦٣٩) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَالْمُحْرِمُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَلَا يُقَرَّبُ طِيبًا، وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ، وَلَا رِجْلَاهُ) إنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَبْطُلُ حُكْمُ إحْرَامِهِ بِمَوْتِهِ، فَلِذَلِكَ جُنِّبَ مَا يُجَنَّبُهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الطِّيبِ، وَتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ، وَلُبْسِ الْمَخِيطِ، وَقَطْعِ الشَّعْرِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِالْمَوْتِ، وَيُصْنَعُ بِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِالْحَلَالِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَطَاوُسٍ؛ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَبَطَلَتْ بِالْمَوْتِ، كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ. وَلَنَا، مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ، «أَنَّ رَجُلًا وَقَصَهُ بَعِيرُهُ، وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُمِسُّوهُ طِيبًا، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبَّدًا.» وَفِي رِوَايَةٍ " مُلَبِّيًا ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خَاصٌّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا. قُلْنَا: حُكْمُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي وَاحِدٍ حُكْمُهُ فِي مِثْلِهِ، إلَّا أَنْ يَرِدَ تَخْصِيصُهُ، وَلِهَذَا ثَبَتَ حُكْمُهُ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ فِي سَائِرِ الشُّهَدَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ.» قَالَ أَبُو دَاوُد: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَمْسُ سُنَنٍ؛ كَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، أَيْ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْنِ. وَأَنْ يَكُونَ فِي الْغَسَلَاتِ كُلِّهَا سِدْرٌ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute