وَقَدْ ذَكَرَ الْخِرَقِيِّ، أَنَّهُ فَاسِدٌ. فَإِذَا أَخْرَجَ الْمُزَارِعُ الْبَذْرَ فَسَدَتْ، كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ عِنْدِهِ. وَمَتَى فَسَدَتْ الْمُزَارَعَةُ، فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَا لَهُ، يَنْقَلِبُ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ، وَيَنْمُو، فَصَارَ كَصِغَارِ الشَّجَرِ إذَا غُرِسَ فَطَالَ، وَالْبَيْضَةِ إذَا حُضِنَتْ فَصَارَتْ فَرْخًا، وَالْبَذْرُ هَا هُنَا مِنْ الْمُزَارِعِ، فَكَانَ الزَّرْعُ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْأَرْضِ؛ لِأَنَّ رَبَّهَا إنَّمَا بَذَلَهَا لَهُ بِعِوَضٍ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ، فَرَجَعَ إلَى عِوَضِ مَنَافِعِهَا النَّابِتَةِ بِزَرْعِهَا عَلَى صَاحِبِ الزَّرْعِ
وَلَوْ فَسَدَتْ، وَالْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، كَانَ الزَّرْعُ لَهُ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْعَامِلِ لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا فَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا، وَيَتَرَاجَعَانِ بِمَا يَفْضُلُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ، مِنْ أَجْرِ مِثْلِ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا نَصِيبُ الْعَامِلِ، وَأَجْرِ الْعَامِلِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِ الْأَرْضِ.
[فَصْلٌ زَارَعَهُ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ زَرْعًا بِعَيْنِهِ وَلِلْعَامِلِ زَرْعًا بِعَيْنِهِ]
(٤١٤٦) فَصْلٌ: وَإِنْ زَارَعَهُ عَلَى أَنَّ لِرَبِّ الْأَرْضِ زَرْعًا بِعَيْنِهِ، وَلِلْعَامِلِ زَرْعًا بِعَيْنِهِ، مِثْلَ أَنْ يَشْتَرِطَ لِأَحَدِهِمَا زَرْعَ نَاحِيَةٍ، وَلِلْآخَرِ زَرْعَ أُخْرَى، أَوْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا مَا عَلَى السَّوَاقِي وَالْجَدَاوِلِ، إمَّا مُنْفَرِدًا، أَوْ مَعَ نَصِيبِهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاء؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ صَحِيحٌ فِي النَّهْيِ عَنْهُ، غَيْرُ مُعَارَضٍ وَلَا مَنْسُوخٍ، وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَلَفِ مَا عُيِّنَ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، فَيَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْغَلَّةِ دُونَ صَاحِبِهِ.
[فَصْلٌ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ]
(٤١٤٧) فَصْلٌ: وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَعُودُ بِجَهَالَةِ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا هَا هُنَا، أَوْ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا نَصِيبًا مَجْهُولًا، أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً، أَوْ أَقْفِزَةً مُعَيَّنَةً، أَوْ أَنَّهُ إنْ سَقَى سَيْحًا فَلَهُ كَذَا، وَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةٍ فَلَهُ كَذَا. فَهَذَا يُفْسِدُهَا؛ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى جَهَالَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، وَالْمُضَارَبَةَ مَعَ جَهَالَةِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا.
وَإِنْ شَرَطَ الْبَذْرَ مِنْ الْعَامِلِ، فَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ فَسَادُ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ إذَا فَسَدَ، لَزِمَ كَوْنُ الزَّرْعِ لِرَبِّ الْبَذْرِ، لِكَوْنِهِ نَمَاءَ مَالِهِ، فَلَا يَحْصُلُ لِرَبِّ الْأَرْضِ شَيْءٌ مِنْهُ، وَيَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ، وَهَذَا مَعْنَى الْفَسَادِ. فَأَمَّا إنْ شَرَطَ مَا لَا يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الرِّبْحِ، كَعَمَلِ رَبِّ الْمَالِ مَعَهُ، أَوْ عَمَلِ الْعَامِلِ فِي شَيْءٍ آخَرَ، فَهَلْ تَفْسُدُ الْمُسَاقَاةُ وَالْمُزَارَعَةُ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، بِنَاءً عَلَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ فِي الْبَيْعِ وَالْمُضَارَبَةِ.
[فَصْلٌ دَفَعَ رَجُلٌ بَذْرَهُ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ لِيَزْرَعهُ فِي أَرْضِهِ وَيَكُونَ مَا يَخْرُجُ بَيْنَهُمَا]
(٤١٤٨) فَصْلٌ: وَإِنْ دَفَعَ رَجُلٌ بَذْرَهُ إلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ، لِيَزْرَعَهُ فِي أَرْضِهِ، وَيَكُونُ مَا يَخْرُجُ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْبَذْرَ لَيْسَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ، وَلَا مِنْ الْعَامِلِ، وَيَكُونُ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْأَرْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute