فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ حَالَ الْعَقْدِ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَا حَدَثَ مِنْ اللَّبَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ يَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَ فِيهِ لَبَنٌ حَالَ الْعَقْدِ، إلَّا أَنَّهُ شَيْءٌ لَا يَخْلُو الضَّرْعُ مِنْ مِثْلِهِ فِي الْعَادَةِ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا عِبْرَةَ بِهِ، وَلَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْعَادَةِ، فَهُوَ تَابِعٌ لِمَا حَدَثَ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا، وَكَانَ قَائِمًا بِحَالِهِ، فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ؟ يُبْنَى عَلَى رَدِّ لَبَنِ التَّصْرِيَةِ، وَقَدْ سَبَقَ.
فَإِنْ قُلْنَا: لَيْسَ لَهُ رَدُّهُ، كَانَ بَقَاؤُهُ كَتَلَفِهِ. وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ؟ يَخْرُجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إذَا اشْتَرَى شَيْئًا فَتَلِفَ مِنْهُ جُزْءٌ أَوْ تَعَيَّبَ. وَالْأَشْهَرُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ، فَعَلَى هَذَا يَلْزَمُهُ رَدُّ مِثْلِ اللَّبَنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ. وَالْأَصْلُ ضَمَانُ مَا كَانَ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ بِمِثْلِهِ، إلَّا أَنَّهُ خُولِفَ فِي لَبَنِ التَّصْرِيَةِ بِالنَّصِّ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، وَلِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، فِي هَذَا الْفَصْلِ، نَحْوٌ مِمَّا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ مَتِّي عِلْم التَّصْرِيَة ثَبَتَ لَهُ الْخِيَار فِي الْأَيَّام الثَّلَاثَة إلَى تَمَامهَا]
(٢٩٩٠) الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي الْخِيَارِ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُدَّتِهِ. فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ مُقَدَّرٌ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ قَبْلِ مُضِيِّهَا، وَلَا إمْسَاكُهَا بَعْدَهَا، فَإِنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَوَى، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، إنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالُوا: فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ قَدَّرَهَا الشَّارِعُ لِمَعْرِفَةِ التَّصْرِيَةِ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ قَبْلَ مُضِيِّهَا؛ لِأَنَّهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لَبَنُهَا لَبَنُ التَّصْرِيَةِ، وَفِي الثَّانِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَبَنُهَا نَقَصَ؛ لِتَغَيُّرِ الْمَكَانِ وَاخْتِلَافِ الْعَلَفِ، وَكَذَلِكَ فِي الثَّالِثِ، فَإِذَا مَضَتْ الثَّلَاثَةُ اسْتَبَانَتْ التَّصْرِيَةُ، وَثَبَتَ الْخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ، وَلَا يَثْبُتُ قَبْلَ انْقِضَائِهَا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عِنْدِي مَتَى ثَبَتَتْ التَّصْرِيَةُ، جَازَ لَهُ الرَّدُّ، قَبْلَ الثَّلَاثَةِ وَبَعْدَهَا؛ لِأَنَّهُ تَدْلِيسٌ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، فَمَلَكَ الرَّدَّ بِهِ إذَا تَبَيَّنَهُ، كَسَائِرِ التَّدْلِيسِ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ. فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فَائِدَةُ التَّقْدِيرِ فِي الْخَبَرِ بِالثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ إلَّا بِهَا، فَاعْتَبَرَهَا لِحُصُولِ الْعِلْمِ ظَاهِرًا، فَإِنْ حَصَلَ الْعِلْمُ بِهَا، أَوْ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا فَالِاعْتِبَارُ بِهِ دُونَهَا، كَمَا فِي سَائِرِ التَّدْلِيسِ. وَظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي مُوسَى، أَنَّهُ مَتَى عَلِمَ التَّصْرِيَةَ، ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ إلَى تَمَامِهَا. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي حَامِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَحَكَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ نَصًّا؛ لِظَاهِرِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كُلِّهَا. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَقِيبَهَا.
وَقَوْلُ أَبِي الْخَطَّابِ يُسَوِّي بَيْنَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا، وَالْعَمَلُ بِالْخَبَرِ أَوْلَى، وَالْقِيَاسُ مَا قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ فِي الْعُيُوبِ، وَسَائِرِ التَّدْلِيسِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا فَرَّقَ فِي التَّصْرِيَة بَيْنَ الشَّاة وَالنَّاقَة وَالْبَقَرَة]
(٢٩٩١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُشْتَرَى نَاقَةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ شَاةً) جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ، عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّصْرِيَةِ بَيْنَ الشَّاةِ وَالنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ، وَشَذَّ دَاوُد، فَقَالَ: لَا يَثْبُتُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute