للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، أَنَّ ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنْ طَلَاقِ السُّنَّةِ، وَيَصِحُّ وَصْفُ الطَّلَاقِ بِالسُّنَّةِ وَالْحُسْنِ؛ لِكَوْنِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ، مُطَابِقًا لِلشَّرْعِ، فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَحْسَنَ الطَّلَاقِ. وَفَارَقَ قَوْلَهُ: طَلْقَةً رَجْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي عِدَّةٍ، وَلَا عِدَّةَ لَهَا، فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ. فَإِنْ قَالَ: نَوَيْت بِقَوْلِي: أَعْدَلَ الطَّلَاقِ. وُقُوعَهُ فِي حَالِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِأَخْلَاقِهَا الْقَبِيحَةِ، وَلَمْ أُرِدْ الْوَقْتَ. وَكَانَتْ فِي الْحَيْضِ، وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا فِيهِ تَغْلِيظٌ. وَإِنْ كَانَتْ فِي حَالِ السُّنَّةِ، دُيِّنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ. (٥٨٣٥) فَصْلٌ: فَإِنْ عَكَسَ، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ، وَأَسْمَجَهُ، أَوْ أَفْحَشَهُ، أَوْ أَنْتَنَهُ، أَوْ أَرْدَأَهُ. حُمِلَ عَلَى طَلَاقِ الْبِدْعَةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي وَقْتِ الْبِدْعَةِ، وَإِلَّا وَقَفَ عَلَى مَجِيءِ زَمَانِ الْبِدْعَةِ. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا، إنَّ قُلْنَا: إنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ بِدْعَةٌ. وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الثَّلَاثُ فِي وَقْتِ الْبِدْعَةِ؛ لِيَكُونَ جَامِعًا لِبِدْعَتَيْ الطَّلَاقِ، فَيَكُونُ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ.

وَإِنْ نَوَى بِذَلِكَ غَيْرَ طَلَاقِ الْبِدْعَةِ، نَحْوُ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَرَدْت أَنَّ طَلَاقَك أَقْبَحُ الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّك لَا تَسْتَحِقِّينَهُ؛ لِحُسْنِ عِشْرَتِك، وَجَمِيلِ طَرِيقَتِك. وَقَعَ فِي الْحَالِ. وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ طَلَاقَ السُّنَّةِ، لِيَتَأَخَّرَ الطَّلَاقُ عَنْ نَفْسِهِ إلَى زَمَنِ السُّنَّةِ. لَمْ يُقْبَلْ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ لَا يَحْتَمِلُهُ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبِيحَةً، فَاحِشَةً جَمِيلَةً، تَامَّةً نَاقِصَةً. وَقَعَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِصِفَتَيْنِ مُتَضَادَّتَيْنِ، فَلَغِيَا، وَبَقِيَ مُجَرَّدُ الطَّلَاقِ.

فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت أَنَّهَا حَسَنَةٌ لِكَوْنِهَا فِي زَمَانِ السُّنَّةِ، وَقَبِيحَةٌ لِإِضْرَارِهَا بِك. أَوْ قَالَ أَرَدْت أَنَّهَا حَسَنَةٌ لِتَخْلِيصِي مِنْ شَرِّك وَسُوءِ خُلُقِك، وَقَبِيحَةٌ لِكَوْنِهَا فِي زَمَانِ الْبِدْعَةِ. وَكَانَ ذَلِكَ يُؤَخِّرُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَنْهُ، دُيِّنَ وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ.

[فَصْلِ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ]

(٥٨٣٦) فَصْلِ: فَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلَاقَ الْحَرَجِ، فَقَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ طَلَاقُ الْبِدْعَةِ؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ الضَّيِّقُ وَالْإِثْمُ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: طَلَاقُ الْإِثْم، وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ طَلَاقُ إثْمٍ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ يَقَعُ ثَلَاثًا؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ الضَّيِّقُ، وَاَلَّذِي يُضَيِّقُ عَلَيْهِ، وَيَمْنَعُهُ الرُّجُوعَ إلَيْهَا، وَيَمْنَعُهَا الرُّجُوعَ إلَيْهِ، هُوَ الثَّلَاثُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ، وَفِيهِ إثْمٌ، فَيَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأَمْرَانِ: الضَّيِّقُ وَالْإِثْمُ. وَإِنْ قَالَ: طَلَاقَ الْحَرَجِ وَالسُّنَّةِ. كَانَ كَقَوْلِهِ: طَلَاقَ الْبِدْعَةِ وَالسُّنَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>