وَلَنَا، أَنَّ النَّذْرَ يَمِينٌ، فَيَنْعَقِدُ فِي الْوَاجِبِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
[فَصْلٌ نَذَرَ أَنْ يَحُجّ الْعَامَ وَعَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ]
(٨١٩٦) فَصْلٌ: وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ الْعَامَ، وَعَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ، رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، تُجْزِئُهُ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ عَنْهَا وَعَنْ نَذْرِهِ. نَقَلَهَا أَبُو طَالِبٍ. وَالثَّانِيَةُ، يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ مُوجِبًا لِحِجَّةٍ غَيْرِ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ يَبْدَأُ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ يَقْضِي نَذْرَهُ. نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ؛ لِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ تَجِبَانِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَلَمْ تَسْقُطْ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، كَمَا لَوْ نَذَرَ حِجَّتَيْنِ، وَوَجْهُ الْأُولَى، أَنَّهُ نَذَرَ عِبَادَةً فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَقَدْ أَتَى بِهَا فِيهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ.
[فَصْلٌ قَالَ لِلَّهِ عَلَى أَنَّ أَصُومَ شَهْرًا فَنَوَى صِيَامَ شَهْر رَمَضَانَ لِنَذْرِهِ وَرَمَضَان]
(٨١٩٧) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا. فَنَوَى صِيَامَ شَهْرِ رَمَضَانَ، لِنَذْرِهِ وَرَمَضَانَ، لَمْ يُجْزِئْهُ؛ لِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ بِفَرْضِ اللَّهِ تَعَالَى، وَنَذْرُهُ يَقْتَضِي إيجَابَ شَهْرٍ، فَيَجِبُ شَهْرَانِ بِسَبَبَيْنِ، وَلَا يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمِ شَهْرَيْنِ، وَكَمَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، لَمْ تُجْزِئْهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ عَنْ نَذْرِهِ، وَعَنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ.
[مَسْأَلَة نَذْر أَنْ يَصُوم يَوْم يَقْدَم فُلَان فَقَدِمَ يَوْم فِطْر أَوْ أَضْحَى]
(٨١٩٨) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَقَدِمَ يَوْمَ فِطْرٍ، أَوْ أَضْحَى، لَمْ يَصُمْهُ، وَصَامَ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ، فَإِنَّ نَذْرَهُ صَحِيحٌ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ فِي الْآخَرِ: لَا يَصِحُّ نَذْرُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ صَوْمُهُ بَعْدَ وُجُودِ شَرْطِهِ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ الْيَوْمَ الَّذِي قَبْلَ الْيَوْمِ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ زَمَنٌ صَحَّ فِيهِ صَوْمُ التَّطَوُّعِ، فَانْعَقَدَ نَذْرُهُ لِصَوْمِهِ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَ صَائِمًا تَطَوُّعًا، قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ يَوْمِي.
وَقَوْلُهُمْ: لَا يُمْكِنُ صَوْمُهُ. لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ قَدْ يَعْلَمُ الْيَوْمَ الَّذِي يَقْدَمُ فِيهِ قَبْلَ قُدُومِهِ، فَيَنْوِيَ صَوْمَهُ مِنْ اللَّيْلِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا لَا يُمْكِنُهُ، كَالصَّبِيِّ يَبْلُغُ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَوْ الْحَائِضِ تَطْهُرُ فِيهِ، وَلَا نُسَلِّمُ مَا قَاسُوا عَلَيْهِ، إذَا ثَبَتَتْ صِحَّتُهُ، وَلَا يَخْلُو مِنْ أَقْسَامٍ خَمْسَةٍ: أَحَدُهَا، أَنْ يَعْلَمَ قُدُومَهُ مِنْ اللَّيْلِ، فَيَنْوِيَ صَوْمَهُ، وَيَكُونَ يَوْمًا يَجُوزُ فِيهِ صَوْمُ النَّذْرِ فَيَصِحَّ صَوْمُهُ وَيُجْزِئَهُ؛ لِأَنَّهُ وَفَى بِنَذْرِهِ.
الثَّانِي، أَنْ يَقْدَمَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، فَاخْتَلَفْت الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ؛ فَعَنْهُ: لَا يَصُومُهُ، وَيَقْضِي، وَيُكَفِّرُ. نَقْلَهُ عَنْ أَحْمَدَ جَمَاعَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا، وَمَذْهَبُ الْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ.