الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ، يَقْضِي، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَقَتَادَةَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ؛ فَإِنَّهُ فَاتَهُ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ بِالنَّذْرِ، فَلَزِمَهُ قَضَاؤُهُ، كَمَا لَوْ تَرَكَهُ نِسْيَانًا، وَلَمْ تَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ مَنَعَهُ مِنْ صَوْمِهِ، فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ.
وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ، إنْ صَامَهُ صَحَّ صَوْمُهُ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ وَفَى بِمَا نَذَرَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَذَرَ مَعْصِيَةً فَفَعَلَهَا. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يُكَفِّرَ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ؛ لِأَنَّهُ وَافَقَ يَوْمًا صَوْمُهُ حَرَامٌ، فَكَانَ مُوجَبُهُ الْكَفَّارَةَ، كَمَا لَوْ نَذَرْت الْمَرْأَةُ صَوْمَ يَوْمِ حَيْضِهَا. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ شَيْءٌ مِنْ كَفَّارَةٍ وَلَا قَضَاءٍ؛ بِنَاءً عَلَى مَنْ نَذَرَ الْمَعْصِيَةَ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ؛ بِنَاءً عَلَى نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ. وَوَجْهُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ النَّذْرَ يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ نَذْرًا يُمْكِنُ الْوَفَاءُ بِهِ غَالِبًا، فَكَانَ مُنْعَقِدًا كَمَا لَوْ وَافَقَ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْعِيدِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ صَوْمَهُ، فَأَشْبَهَ زَمَنَ الْحَيْضِ، وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرٌ مُنْعَقِدٌ، وَقَدْ فَاتَهُ الصِّيَامُ بِالْعُذْرِ، وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ؛ لِفَوَاتِهِ، كَمَا لَوْ فَاتَهُ بِمَرَضٍ.
وَإِنْ وَافَقَ يَوْمَ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ، فَهُوَ كَمَا لَوْ وَافَقَ يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ أَضْحَى، إلَّا أَنَّهُ لَا يَصُومُهُ. بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ. الثَّالِثُ، أَنْ يَقْدَمَ فِي يَوْمٍ يَصِحُّ صَوْمُهُ، وَالنَّاذِرُ مُفْطِرٌ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ نَذَرَ صَوْمًا نَذْرًا صَحِيحًا، وَلَمْ يَفِ بِهِ، فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ، كَسَائِرِ الْمَنْذُورَاتِ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا تَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْمَنْذُورَ لِعُذْرٍ.
وَالثَّانِيَةُ، لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، مِنْ قَضَاءٍ وَلَا غَيْرِهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ قَدِمَ فِي زَمَنٍ لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فِيهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ قَدِمَ لَيْلًا. الرَّابِعُ، قَدِمَ وَالنَّاذِرُ صَائِمٌ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَطَوُّعًا أَوْ فَرْضًا؛ فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا، فَقَالَ الْقَاضِي: يَصُومُ بَقِيَّتَهُ، وَيَعْقِدُهُ عَنْ نَذْرِهِ، وَيُجْزِئُهُ، وَلَا قَضَاءَ وَلَا كَفَّارَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صَوْمُ يَوْمٍ بَعْضُهُ تَطَوُّعٌ وَبَعْضُهُ وَاجِبٌ، كَمَا لَوْ نَذَرَ فِي أَثْنَاءِ التَّطَوُّعِ إتْمَامَ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَإِنَّمَا وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي بَعْضِهِ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي احْتِمَالًا آخَرَ، أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ صَوْمٌ وَاجِبٌ، فَلَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ، كَقَضَاءِ رَمَضَانَ. وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ رِوَايَتَيْنِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ، كَمَا لَوْ قَدِمَ وَهُوَ مُفْطِرٌ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُهُ.
وَأَمَّا إنْ كَانَ الصَّوْمُ وَاجِبًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ. وَإِنْ قَدِمَ وَهُوَ مُمْسِكٌ، لَمْ يَنْوِ الصِّيَامَ، وَلَمْ يَفْعَلْ مَا يُفْطِرُهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّائِمِ تَطَوُّعًا. الْخَامِسُ، أَنْ يَقْدَمَ لَيْلًا، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْدَمْ فِي الْيَوْمِ، وَلَا فِي وَقْتٍ يَصِحُّ فِيهِ الصِّيَامُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute