وَيُفَارِقُ هَذَا مَا لَوْ حُبِسَ الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ انْتِفَاعُهُ، وَهَذَا لَا يُؤْيَسُ مِنْهُ بِالْحَبْسِ، فَإِنَّهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ يُمْكِنُ خُرُوجُهُ مِنْ الْحَبْسِ وَانْتِفَاعُهُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ إمَّا بِأَجْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ قَدْ فَاتَ انْتِفَاعُهُ بِنَفْسِهِ وَنَائِبِهِ، فَأَشْبَهَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الصُّوَرِ.
[فَصْلٌ أَجَرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ مُدَّةً فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا وَانْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ]
(٤٢٠٢) فَصْلٌ: إذَا أَجَرَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ مُدَّةً، فَمَاتَ فِي أَثْنَائِهَا، وَانْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَهُ فِي زَمَنِ وِلَايَتِهِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِمَوْتِهِ، كَمَا لَوْ أَجَرَ مِلْكَهُ الطَّلْقَ. وَالثَّانِي تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ، لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُ أَجَرَ مِلْكَهُ وَمِلْكَ غَيْرِهِ، فَصَحَّ فِي مِلْكِهِ دُونَ مِلْكِ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ أَجَرَ دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ، وَالْأُخْرَى لِغَيْرِهِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْد الْمَوْتِ حَقٌّ لِغَيْرِهِ، فَلَا يَنْفُذُ عَقْدُهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا وِلَايَةٍ، بِخِلَافِ الطَّلْقِ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْرُوثِ، فَلَا يَمْلِكُ إلَّا مَا خَلَفَهُ، وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْمَنَافِعُ الَّتِي أَجَرَهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِجَارَةِ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ
وَالْبَطْنُ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ يَمْلِكُونَ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ، فَمَا حَدَثَ فِيهَا بَعْدَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ، فَقَدْ صَادَفَ تَصَرُّفَ الْمُؤَجِّرِ فِي مِلْكِهِمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمْ يَصِحَّ. وَيَتَخَرَّجُ أَنْ تَبْطُلَ الْإِجَارَةُ كُلُّهَا بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ قَبَضَ الْأَجْرَ كُلَّهُ، وَقُلْنَا: تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ. فَلِمَنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ أَخْذُهُ، وَيَرْجِعُ الْمُسْتَأْجِرُ عَلَى وَرَثَةِ الْمُؤَجِّرِ بِحِصَّةِ الْبَاقِي مِنْ الْأَجْرِ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَنْفَسِخُ رَجَعَ مِنْ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ عَلَى التَّرِكَةِ بِحِصَّتِهِ.
[فَصْلٌ أَجَرَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ أَوْ مَالَهُ مُدَّةً فَبَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا]
(٤٢٠٣) فَصْلٌ: وَإِنْ أَجَرَ الْوَلِيُّ الصَّبِيَّ، أَوْ مَالِهِ مُدَّةً، فَبَلَغَ فِي أَثْنَائِهَا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ فَسْخُ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ لَازِمٌ، عَقَدَهُ بِحَقِّ الْوِلَايَةِ، فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْبُلُوغِ، كَمَا لَوْ بَاعَ دَارِهِ أَوْ زَوَّجَهُ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَبْطُلَ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَعْدَ زَوَالِ الْوِلَايَةِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي إجَارَةِ الْوَقْفِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ مَا إذَا أَجَرَهُ مُدَّةً يَتَحَقَّقُ بُلُوغُهُ فِي أَثْنَائِهَا، مِثْلَ إنْ أَجَرَهُ عَامَيْنِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَتَبْطُلُ فِي السَّادِسَ عَشَرَ؛ لِأَنَّنَا نَتَيَقَّنُ أَنَّهُ أَجَرَهُ فِيهَا بَعْدَ بُلُوغِهِ. وَهَلْ تَصِحُّ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ
وَبَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ بُلُوغُهُ فِي أَثْنَائِهَا، كَاَلَّذِي أَجَرَهُ فِي الْخَامِسَ عَشَرَ وَحْدَهُ، فَبَلَغَ فِي أَثْنَائِهِ، فَيَكُونُ فِيهِ مَا قَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ الْفَصْلِ؛ لِأَنَّنَا لَوْ قُلْنَا: يُلْزَمُ الصَّبِيُّ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ مُدَّةً يَتَحَقَّقُ بُلُوغُهُ فِيهَا، أَفْضَى إلَى أَنْ يَعْقِدَ عَلَى جَمِيعِ مَنَافِعِهِ طُولَ عُمْرِهِ، وَإِلَى أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ فِي غَيْرِ زَمَنِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا يُشْبِه النِّكَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute