للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَرْضَ، وَنَفَخَ فِيهِمَا» . قَالَ أَحْمَدُ: لَا يَضُرُّهُ فَعَلَ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ. وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُكْرَهُ نَفْخُهُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً. فَإِنْ ذَهَبَ مَا عَلَيْهَا بِالنَّفْخِ، لَمْ يُجْزِهِ حَتَّى يُعِيدَ الضَّرْبَ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَسْحِ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّعِيدِ.

[مَسْأَلَة الْمُتَيَمِّمُ يَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ]

(٣٥٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَيَضْرِبُ بِيَدَيْهِ عَلَى الصَّعِيدِ الطَّيِّبِ، وَهُوَ التُّرَابُ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ طَاهِرٍ ذِي غُبَارٍ يَعْلَقُ بِالْيَدِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصَّعِيدُ تُرَابُ الْحَرْثِ. وَقِيلَ فِي قَوْله تَعَالَى: (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقَا) تُرَابًا أَمْلَسَ. وَالطَّيِّبُ: الطَّاهِرُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَدَاوُد. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ بِكُلِّ حَالٍ مَا كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ؛ كَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْحِجَارَةِ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: الرَّمْلُ مِنْ الصَّعِيدِ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: لَا بَأْسَ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالرُّخَامِ؛ لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا» . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّا نَكُونُ بِالرَّمْلِ فَتُصِيبُنَا الْجَنَابَةُ، وَالْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، وَلَا نَجِدُ الْمَاءَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: عَلَيْكُمْ بِالْأَرْضِ» .

وَلِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ، فَجَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ كَالتُّرَابِ. وَلَنَا الْآيَةُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِالتَّيَمُّمِ بِالصَّعِيدِ، وَهُوَ التُّرَابُ، فَقَالَ: {فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} [المائدة: ٦] ، وَلَا يَحْصُلُ الْمَسْحُ بِشَيْءٍ مِنْهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا غُبَارٍ يَعْلَقُ بِالْيَدِ، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، جُعِلَ لِي التُّرَابُ طَهُورًا» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي " مُسْنَدِهِ "، وَلَوْ كَانَ غَيْرُ التُّرَابِ طَهُورًا لَذَكَرَهُ فِيمَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِ، وَقَدْ رَوَى حُذَيْفَةُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَتُرَابُهَا طَهُورًا» . فَخَصَّ تُرَابَهَا بِكَوْنِهِ طَهُورًا؛ وَلِأَنَّ الطَّهَارَةَ اخْتَصَّتْ بِأَعَمِّ الْمَائِعَاتِ وُجُودًا، وَهُوَ الْمَاءُ، فَتَخْتَصُّ بِأَعَمِّ الْجَامِدَاتِ وُجُودًا، وَهُوَ التُّرَابُ، وَخَبَرُ أَبِي ذَرٍّ نَخُصُّهُ بِحَدِيثِنَا، وَخَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوِيهِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ، وَهُوَ ضَعِيف

[فَصْل التَّيَمُّم بِالسَّبَخَةِ وَالرَّمْلِ]

(٣٥٣) فَصْلٌ: وَعَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، رِوَايَةٌ أُخْرَى، فِي السَّبِخَةِ وَالرَّمْلِ، أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ. قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: قَالَ أَحْمَدُ: أَرْضُ الْحَرْثِ أَحَبُّ إلَيَّ، وَإِنْ تَيَمَّمَ مِنْ أَرْضِ السَّبِخَةِ أَجْزَأَهُ. قَالَ الْقَاضِي: الْمَوْضِعُ الَّذِي أَجَازَ التَّيَمُّمَ بِهَا إذَا كَانَ لَهَا غُبَارٌ، وَالْمَوْضِعُ الَّذِي مَنَعَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا غُبَارٌ. قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الرَّمْلِ مِثْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>