للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِي إبَاحَةِ نَظَرِهِمْ اخْتِلَافًا، وَتَعَافُهُمْ النَّفْسُ، وَلَا يَتَنَظَّفُونَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَا يَلْزَمُ الزَّوْجَ أَنْ يُمَلِّكَهَا خَادِمًا؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخِدْمَةُ، فَإِذَا حَصَلَتْ مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ، جَازَ كَمَا أَنَّهُ إذَا أُسْكَنْهَا دَارًا بِأُجْرَةِ جَازَ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَمْلِيكُهَا مَسْكَنًا، فَإِنْ مَلَّكَهَا الْخَادِمَ، فَقَدْ زَادَ خَيْرًا، وَإِنْ أَخْدَمَهَا مَنْ يُلَازِمُ خِدْمَتهَا مِنْ غَيْرِ تَمْلِيكٍ، جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ، أَوْ اسْتَأْجَرَهُ، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ لَهَا، فَرَضِيَتْ بِخِدْمَتِهِ لَهَا، وَنَفَقَتُهُ عَلَى الزَّوْجِ، جَازَ.

وَإِنْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَجْرَ خَادِمِهَا فَوَافَقَهَا، جَازَ. ` وَإِنْ قَالَ: لَا أُعْطِيك أَجْرَ هَذَا، وَلَكِنْ أَنَا آتِيك بِخَادِمٍ سِوَاهُ. فَلَهُ ذَلِكَ إذَا أَتَاهَا بِمَنْ يَصْلُحُ لَهَا. وَإِنْ قَالَتْ: أَنَا أَخْدِمُ نَفْسِي، وَآخُذُ أَجْرَ الْخَادِمِ. لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ قَبُولُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ عَلَيْهِ، فَتَعْيِينُ الْخَادِمِ إلَيْهِ، وَلِأَنَّ فِي إخْدَامِهَا تَوْفِيرَهَا عَلَى حُقُوقِهِ، وَتَرْفِيهَهَا، وَرَفْعَ قَدْرِهَا، وَذَلِكَ يَفُوتُ بِخِدْمَتِهَا لِنَفْسِهَا.

وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: أَنَا أَخْدُمُك بِنَفْسِي. لَمْ يَلْزَمْهَا؛ لِأَنَّهَا تَحْتَشِمُهُ، وَفِيهِ غَضَاضَةٌ عَلَيْهَا، لِكَوْنِ زَوْجِهَا خَادِمًا. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الرِّضَى بِهِ؛ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ تَحْصُلُ بِهِ. (٦٤٦٥) فَصْلٌ: وَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ الْخَادِمِ، وَمُؤْنَتُهُ مِنْ الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ، مِثْلَ مَا لِامْرَأَةِ الْمُعْسِرِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا الْمُشْطُ، وَالدُّهْنُ لِرَأْسِهَا، وَالسِّدْرُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَالتَّنْظِيفِ، وَلَا يُرَادُ ذَلِكَ مِنْ الْخَادِمِ، لَكِنْ إنْ احْتَاجَتْ إلَى خُفٍّ لِتَخْرُجَ إلَى شِرَاءِ الْحَوَائِجِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ.

[مَسْأَلَةٌ مَنَعَ الزَّوْجُ زَوْجَتَهُ مِمَّا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَقَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ]

مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِنْ مَنَعَهَا مَا يَجِبُ لَهَا، أَوْ بَعْضَهُ، وَقَدَرَتْ لَهُ عَلَى مَالٍ، أَخَذَتْ مِنْهُ مِقْدَارَ حَاجَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ حِينَ قَالَتْ: إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي. فَقَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الزَّوْجَ إذَا لَمْ يَدْفَعْ إلَى امْرَأَتِهِ مَا يَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ، أَوْ دَفَعَ إلَيْهَا أَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهَا، فَلَهَا أَنْ تَأْخُذَ مِنْ مَالِهِ الْوَاجِبَ أَوْ تَمَامَهُ، بِإِذْنِهِ وَبِغَيْرِ إذْنِهِ؛ بِدَلِيلِ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدٍ: «خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» . وَهَذَا إذْنٌ لَهَا فِي الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَرَدٌّ لَهَا إلَى اجْتِهَادِهَا فِي قَدْرِ كِفَايَتِهَا وَكِفَايَةِ وَلَدِهَا، وَهُوَ مُتَنَاوِلٌ لِأَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُعْطِيهَا بَعْضَ الْكِفَايَةِ، وَلَا يُتَمِّمُهَا لَهَا، فَرَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا فِي أَخْذِ تَمَامِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا غِنَى عَنْهَا، وَلَا قَوَامَ إلَّا بِهَا، فَإِذَا لَمْ يَدْفَعْهَا الزَّوْجُ وَلَمْ تَأْخُذْهَا، أَفْضَى إلَى ضَيَاعِهَا وَهَلَاكِهَا، فَرَخَّصَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهَا فِي أَخْذِ قَدْرِ نَفَقَتِهَا، دَفْعًا لِحَاجَتِهَا، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحَاكِمِ، وَالْمُطَالَبَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>