الصَّوْمِ عَنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا. وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ مِثْلُ مَا ذَكَرْنَا. وَيُقَاسُ عَلَيْهِ أَيْضًا كُلُّ دَمٍ وَجَبَ لِتَرْكِ وَاجِبٍ، كَدَمِ الْقِرَانِ، وَتَرْكِ الْإِحْرَامِ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، وَالْمَبِيتِ بِمُزْدَلِفَةَ، وَالرَّمْيِ، وَالْمَبِيتِ لَيَالِي مِنًى بِهَا، وَطَوَافِ الْوَدَاعِ، فَالْوَاجِبُ فِيهِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ.
وَأَمَّا مَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِالْجِمَاعِ فَالْوَاجِبُ فِيهِ بَدَنَةٌ؛ بِقَوْلِ الصَّحَابَةِ الْمُنْتَشِرِ الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ، كَصِيَامِ الْمُتْعَةِ. كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو. رَوَاهُ عَنْهُمْ الْأَثْرَمُ. وَلَمْ يَظْهَرْ فِي الصَّحَابَةِ خِلَافُهُمْ، فَيَكُونُ إجْمَاعًا، فَيَكُونُ بَدَلُهُ مَقِيسًا عَلَى بَدَلِ دَمِ الْمُتْعَةِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يُقَوِّمُ الْبَدَنَةَ بِدَرَاهِمَ، ثُمَّ يَشْتَرِي بِهَا طَعَامًا فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا، وَيَصُومُ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، فَتَكُونُ مُلْحَقَةً بِالْبَدَنَةِ الْوَاجِبَةِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ.
وَيُقَاسُ عَلَى فِدْيَةِ الْأَذَى مَا وَجَبَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ يَتَرَفَّهُ بِهِ، كَتَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ، وَاللُّبْسِ، وَالطِّيبِ. وَكُلُّ اسْتِمْتَاعٍ مِنْ النِّسَاءِ يُوجِبُ شَاةً كَالْوَطْءِ فِي الْعُمْرَةِ أَوْ فِي الْحَجِّ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى فِدْيَةِ الْأَذَى مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَيُقَاسُ عَلَيْهِ، وَيُلْحَقُ بِهِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِامْرَأَةٍ وَقَعَ عَلَيْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ: عَلَيْك فِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ.
[مَسْأَلَةٌ فِدْيَةُ الْأَذَى تَجُوزُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَلَقَ فِيهِ]
(٢٧٢٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إطْعَامٍ فَهُوَ لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ، إنْ قَدَرَ عَلَى إيصَالِهِ إلَيْهِمْ، إلَّا مَنْ أَصَابَهُ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ، فَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَلَقَ فِيهِ) أَمَّا فِدْيَةُ الْأَذَى، فَتَجُوزُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي حَلَقَ فِيهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ إلَّا فِي الْحَرَمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٣٣] .
وَلَنَا «، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِالْفِدْيَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِبَعْثِهِ إلَى الْحَرَمِ» . وَرَوَى الْأَثْرَمُ وَإِسْحَاقُ وَالْجُوزَجَانِيُّ، فِي " كِتَابَيْهِمَا " عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: كُنْت مَعَ عُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، حُجَّاجًا، فَاشْتَكَى حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ بِالسُّقْيَا، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى رَأْسِهِ، فَحَلَقَهُ عَلِيٌّ، وَنَحَرَ عَنْهُ جَزُورًا بِالسُّقْيَا. هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ. وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ. وَالْآيَةُ وَرَدَتْ فِي الْهَدْيِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِفِدْيَةِ الشَّعْرِ، وَمَا عَدَاهُ مِنْ الدِّمَاءِ فَبِمَكَّةَ.
وَقَالَ الْقَاضِي، فِي الدِّمَاءِ الْوَاجِبَةِ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ، كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ: هِيَ كَدَمِ الْحَلْقِ. وَفِي الْجَمِيعِ رِوَايَتَانِ؛ إحْدَاهُمَا، يَفْدِي حَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute