إذَا كَانَتْ فِي عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَتْ بَائِنَةً فِي بَيْتِهَا مَعَ عِيَالِهَا اسْتَأْمَرَهَا. قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي الْبِنْتِ. بِقَوْلِ الْحَسَنِ، وَهُوَ قَوْلٌ شَاذٌّ، خَالَفَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ، فَإِنَّ الْخَنْسَاءَ ابْنَةَ خِذَامٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، رَوَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهُ
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا الْحَدِيثُ مَجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ، وَالْقَوْلِ بِهِ، لَا نَعْلَمُ مُخَالِفًا لَهُ إلَّا الْحَسَنَ، وَكَانَتْ الْخَنْسَاءُ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ، وَكَانَتْ تَحْتَ أُنَيْسٌ بْنِ قَتَادَةَ، فَقُتِلَ عَنْهَا يَوْمَ أُحُدٍ، فَزَوَّجَهَا أَبُوهَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، فَكَرِهَتْهُ، وَشَكَتْ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَرَدَّ نِكَاحَهَا، وَنَكَحَتْ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا» . وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ» رَوَاهُمَا النَّسَائِيّ وَأَبُو دَاوُد.
وَلِأَنَّهَا رَشِيدَةٌ عَالِمَةٌ بِالْمَقْصُودِ مِنْ النِّكَاحِ مُخْتَبَرَةٌ، فَلَمْ يَجُزْ إجْبَارُهَا عَلَيْهِ، كَالرَّجُلِ. الْقِسْمُ الثَّانِي، الثَّيِّبُ الصَّغِيرَةُ، وَفِي تَزْوِيجِهَا وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَابْنُ بَطَّةَ، وَالْقَاضِي، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ؛ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ، وَلِأَنَّ الْإِجْبَارَ يَخْتَلِفُ بِالْبَكَارَةِ وَالثُّيُوبَةِ، لَا بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ، وَهَذِهِ ثَيِّبٌ، وَلِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهَا فَائِدَةً، وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ فَتَخْتَارَ لِنَفْسِهَا وَيُعْتَبَرَ إذْنُهَا، فَوَجَبَ التَّأْخِيرُ، بِخِلَافِ الْبِكْرِ. الْوَجْهُ الثَّانِي، أَنَّ لِأَبِيهَا تَزْوِيجَهَا، وَلَا يَسْتَأْمِرُهَا. اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا صَغِيرَةٌ، فَجَازَ إجْبَارُهَا كَالْبِكْرِ وَالْغُلَامِ
يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ بِالثُّيُوبَةِ عَلَى مَا حَصَلَ لِلْغُلَامِ بِالذُّكُورِيَّةِ، ثُمَّ الْغُلَامُ يُجْبَرُ إنْ كَانَ صَغِيرًا فَكَذَا هَذِهِ، وَالْأَخْبَارُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْكَبِيرَةِ، فَإِنَّهُ جَعَلَهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، وَالصَّغِيرَةُ لَا حَقَّ لَهَا. وَيَتَخَرَّجُ وَجْهٌ ثَالِثٌ، وَهُوَ أَنَّ ابْنَةَ تِسْعِ سِنِينَ يُزَوِّجُهَا وَلِيُّهَا بِإِذْنِهَا، وَمَنْ دُونَ ذَلِكَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْخِلَافِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْبِكْرِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[مَسْأَلَةٌ إذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ]
(٥٢٠٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذْنُ الثَّيِّبِ الْكَلَامُ، وَإِذْنُ الْبِكْرِ الصُّمَاتُ) . أَمَّا الثَّيِّبُ، فَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ خِلَافًا فِي أَنَّ إذْنَهَا الْكَلَامُ؛ لِلْخَبَرِ، وَلِأَنَّ اللِّسَانَ هُوَ الْمُعَبِّرُ عَمَّا فِي الْقَلْبِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute