للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَفَرْضُهُ الصِّيَامُ، وَإِنْ مَلَكَ؛ لِأَنَّهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، مَمْنُوعٌ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيمَا فِي يَدَيْهِ.

قَالَ: وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ فِي الْعَبْدِ رِوَايَتَيْنِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ قُلْنَا: يَمْلِكُ. أَوْ لَا يَمْلِكُ. ثُمَّ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تُجِيزُ لَهُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ، لَهُ أَنْ يُطْعِمَ، وَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْتِقَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقْتَضِي الْوَلَاءَ وَالْوِلَايَةَ وَالْإِرْثَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْعَبْدِ، وَلَكِنْ يُكَفِّرُ بِالْإِطْعَامِ. وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ. وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يُجِيزُ لَهُ التَّكْفِيرَ بِالْمَالِ.

وَالثَّانِيَةُ لَهُ التَّكْفِيرُ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّ تَكْفِيرُهُ بِالْمَالِ، صَحَّ بِالْعِتْقِ، كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْعَبْدَ، فَصَحَّ تَكْفِيرُهُ بِإِعْتَاقِهِ، كَالْحُرِّ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ الْعِتْقَ يَقْتَضِي الْوَلَاءَ وَالْوِلَايَةَ. لَا نُسَلِّمُ ذَلِكَ فِي الْعِتْقِ فِي الْكَفَّارَةِ، عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَتَخَلُّفُ بَعْضِ الْأَحْكَامِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمُقْتَضِي، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَتَخَلَّفُ لِتَخَلُّفِ سَبَبِهِ لَا لِتَخَلُّفِ أَحْكَامِهِ، كَمَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ، وَلِأَنَّ تَخَلُّفَ بَعْضِ الْأَحْكَامِ مَعَ وُجُودِ الْمُقْتَضِي، إنَّمَا يَكُونُ لِمَانِعٍ مَنَعَهَا، وَيَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ الْمَنْعُ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا. وَلِهَذَا السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتُهُ تَخَلُّفَهَا عَنْهُ فِي الرَّقِيقِ، عَلَى أَنَّ الْوَلَاءَ يَثْبُتُ بِإِعْتَاقِ الْعَبْدِ، لَكِنْ لَا يَرِثُ بِهِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ دِينَاهُمَا. وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ، فَفِيهِ قَوْلَانِ.

أَحَدُهُمَا، يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّهُ رَقَبَةٌ تُجْزِئُ عَنْ غَيْرِهِ فَأَجْزَأَتْ عَنْ نَفْسِهِ كَغَيْرِهِ. وَالْآخَرُ لَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُ فِي الْإِعْتَاقِ يَنْصَرِفُ إلَى إعْتَاقِ غَيْرِهِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَيِّدَهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي إعْتَاقِ نَفْسِهِ عَنْ كَفَّارَتِهِ جَازَ، فَأَمَّا إنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فِي الْإِعْتَاقِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ إلَّا أَقَلَّ رَقَبَةٍ تُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ، وَلَيْسَ لَهُ إعْتَاقُ نَفْسِهِ إذَا كَانَتْ أَفْضَلَ مِمَّا يُجْزِئُ. وَهَذَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي التَّكْفِيرِ أَنْ يُمَلِّكَهُ سَيِّدُهُ مَا يُكَفِّرُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ، بَلْ مَتَى أَذِنَ لَهُ فِي التَّكْفِيرِ بِالْعِتْقِ أَوْ الْإِطْعَامِ، أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ اعْتَبَرَ التَّمْلِيكَ، لَمَا صَحَّ لَهُ أَنْ يُعْتِقَ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا، وَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي مُعَيَّنٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ مُطْلَقًا.

[فَصْلٌ أَعْتَقَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَتِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ]

(٨٠٥٢) فَصْلٌ: وَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدُ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَتِهِ، بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَقُلْنَا: إنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الْكَفَّارَةِ يَثْبُتُ بِهِ الْوَلَاءُ لِمُعْتِقِهِ. ثَبَتَ وَلَاؤُهُ لِلْعَبْدِ الَّذِي أَعْتَقَهُ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " إنَّمَا الْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ ". وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَلَا يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ الْوَلَاءِ مَعَ انْتِفَاءِ الْإِرْثِ، كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا، أَوْ قَتَلَ الْمُعْتِقُ عَتِيقَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَرِثُهُ مَعَ ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لَهُ عَلَيْهِ. فَإِنْ عَتَقَ الْمُعْتِقُ لَهُ وَرِثَ بِالْوَلَاءِ، لِزَوَالِ الْمَانِعِ، كَمَا إذَا كَانَا

<<  <  ج: ص:  >  >>