أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ. فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّهُ أَحَدُ الْآيَتَيْنِ، فَجَازَ الدَّفْنُ فِيهِ كَالنَّهَارِ، وَحَدِيثُ الزَّجْرِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالتَّأْدِيبِ؛ فَإِنَّ الدَّفْنَ نَهَارًا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَى مُتَّبِعِهَا، وَأَكْثَرُ لِلْمُصَلِّينَ عَلَيْهَا، وَأَمْكَنُ لِإِتْبَاعِ السُّنَّةِ فِي دَفْنِهِ وَإِلْحَادِهِ.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ]
(١٦٧٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى الْغَالِّ مِنْ الْغَنِيمَةِ، وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ) الْغَالُّ: هُوَ الَّذِي يَكْتُمُ غَنِيمَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا، لِيَأْخُذَهُ لِنَفْسِهِ، وَيَخْتَصَّ بِهِ. فَهَذَا لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ، وَلَا عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مُتَعَمِّدًا. وَيُصَلِّي عَلَيْهِمَا سَائِرُ النَّاسِ. نَصَّ عَلَيْهِمَا أَحْمَدُ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُ، كَشَهِيدِ الْمَعْرَكَةِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ: يُصَلِّي الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا عَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ. وَلَنَا مَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءُوهُ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ رَجُلًا انْطَلَقَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَجُلٍ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، قَالَ: وَمَا يُدْرِيك؟ قَالَ: رَأَيْته يَنْحَرُ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ، قَالَ: أَنْتَ رَأَيْته؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: إذًا لَا أُصَلِّي عَلَيْهِ» .
وَرَوَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ، قَالَ: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ. فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الْقَوْمِ، فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ قَالَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ» . احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ. وَاخْتَصَّ هَذَا الِامْتِنَاعُ بِالْإِمَامِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَالِّ، قَالَ: «صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ» . وَرُوِيَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْإِمَامَ، فَأُلْحِقَ بِهِ مَنْ سَاوَاهُ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ صَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ صَلَاةِ غَيْرِهِ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ لَا يُصَلِّي عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا وَفَاءَ لَهُ، وَيَأْمُرُهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ صَلَاتَهُ سَكَنٌ. قُلْنَا: مَا ثَبَتَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ عَلَى اخْتِصَاصِهِ دَلِيلٌ. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ تَرَكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ. قُلْنَا: ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدُ، فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ، فَيَقُولُ: هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ مِنْ وَفَاءٍ؟ . فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ وَفَاءً صَلَّى عَلَيْهِ، وَإِلَّا قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ الْفُتُوحَ قَامَ فَقَالَ: أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، وَتَرَكَ دَيْنًا، عَلَيَّ قَضَاؤُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute