يَقُولُونَ: هَذَا مَلَكٌ؛ لِمَا يَرَوْنَهُ يَصْنَعُ، وَجَعَلَ سَعْدٌ يَقُولُ: الضَّبْرُ ضَبْرُ الْبَلْقَاءِ، وَالطَّعْنُ طَعْنُ أَبِي مِحْجَنٍ، وَأَبُو مِحْجَنٍ فِي الْقَيْدِ. فَلَمَّا هُزِمَ الْعَدُوُّ، رَجَعَ أَبُو مِحْجَنٍ حَتَّى وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِي الْقَيْدِ. فَأَخْبَرَتْ ابْنَةُ حَفْصَةَ سَعْدًا بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَقَالَ سَعْدٌ: لَا وَاَللَّهِ، لَا أَضْرِبُ الْيَوْمَ رَجُلًا أَبْلَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِهِ مَا أَبْلَاهُمْ. فَخَلَّى سَبِيلَهُ. فَقَالَ أَبُو مِحْجَنٍ: قَدْ كُنْت أَشْرَبُهَا إذْ يُقَامُ عَلَيَّ الْحَدُّ وَأَطْهُرُ مِنْهَا، فَأَمَّا إذَا بَهْرَجَتْنِي، فَوَاَللَّهِ لَا أَشْرَبُهَا أَبَدًا. وَهَذَا اتِّفَاقٌ لَمْ يَظْهَرْ خِلَافُهُ.
فَأَمَّا إذَا رَجَعَ، فَإِنَّهُ يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ؛ لِعُمُومِ الْآيَاتِ وَالْأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا أُخِّرَ لِعَارِضٍ، كَمَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ أَوْ شُغْلٍ، فَإِذَا زَالَ الْعَارِضُ، أُقِيمَ الْحَدُّ، لِوُجُودِ مُقْتَضِيه، وَانْتِفَاءِ مُعَارِضِهِ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ: حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلًا.
[فَصْلٌ تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الثُّغُورِ]
(٧٦٠٩) فَصْلٌ: وَتُقَامُ الْحُدُودُ فِي الثُّغُورِ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَى زَجْرِ أَهْلِهَا، كَالْحَاجَةِ إلَى زَجْرِ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنْ يَجْلِدَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَمَانِينَ، وَهُوَ بِالشَّامِ، وَهُوَ مِنْ الثُّغُورِ.
[مَسْأَلَة الْإِمَامَ إذَا ظَفِرَ بِالْكُفَّارِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتُلَ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغْ]
(٧٦١٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا فُتِحَ حِصْنٌ، لَمْ يُقْتَلْ مَنْ لَمْ يَحْتَلِمْ، أَوْ يُنْبِتْ، أَوْ يَبْلُغْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا ظَفِرَ بِالْكُفَّارِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتُلَ صَبِيًّا لَمْ يَبْلُغْ، بِغَيْرِ خِلَافٍ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ يَصِيرُ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ، فَفِي قَتْلِهِ إتْلَافُ الْمَالِ، وَإِذَا سُبِيَ مُنْفَرِدًا صَارَ مُسْلِمًا، فَإِتْلَافُهُ إتْلَافُ مَنْ يُمْكِنُ جَعْلُهُ مُسْلِمًا، وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ بِأَحَدِ أَسْبَابٍ ثَلَاثَةٍ؛ أَحَدُهَا، الِاحْتِلَامُ، وَهُوَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ أَوْ قُبُلِ الْأُنْثَى فِي يَقَظَةٍ أَوْ مَنَامٍ. وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ} [النور: ٥٨] ثُمَّ قَالَ: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور: ٥٩] . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ» . وَقَالَ لِمُعَاذٍ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.
الثَّانِي، إنْبَاتُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ، وَهُوَ عَلَامَةٌ عَلَى الْبُلُوغِ، بِدَلِيلِ مَا رَوَى «عَطِيَّةُ الْقُرَظِيّ، قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute