فَإِنْ أَدَّى سَيِّدُهُ كِتَابَتَهُ، كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِأَدَائِهِ إلَيْهِ، وَإِنْ عَجَزَ، فَوَلَاؤُهُ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَثْبُتُ لَهُ وَلَاءٌ، وَلِأَنَّ السَّيِّدَ يَأْخُذُ مَالَهُ، فَكَذَلِكَ حُقُوقَهُ. هَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ الْقَاضِي، وَمُقْتَضَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّ الْوَلَاءَ لِسَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ عَبْدٌ لَا يَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ، فَيَثْبُتُ لِسَيِّدِهِ.
وَكَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، أَوْ كَاتَبَ عَبْدَهُ فَأَدَّى كِتَابَتَهُ، وَهَذَا نَظِيرُهُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِكَوْنِ الْعِتْقِ تَمَّ بِإِذْنِ السَّيِّدِ، فَيَحْصُلُ الْإِنْعَامُ مِنْهُ بِإِذْنِهِ فِيهِ، وَهَا هُنَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى إذْنِهِ، فَلَا نِعْمَةَ لَهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ وَلَاءٌ مَا لَمْ يُعَجِّزْهُ سَيِّدُهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (٨٨٣٢)
فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَبْطُلُ الْبَيْعَانِ، وَيُرَدُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى كِتَابَتِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَشْكُوكٌ فِي صِحَّةِ بَيْعِهِ فَيُرَدُّ إلَى الْيَقِينِ. وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى مَا إذَا زَوَّجَ الْوَلِيَّانِ فَأَشْكَلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا، فَيَقْتَضِي هَذَا أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعَانِ، كَمَا يُفْسَخ النِّكَاحَانِ. وَعَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ، لَا حَاجَةَ إلَى الْفَسْخِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ إنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى فَسْخِهِ مِنْ أَجْلِ الْمَرْأَةِ؛ فَإِنَّهَا مَنْكُوحَةٌ نِكَاحًا صَحِيحًا، لَوَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقِينًا فَلَا يَزُولُ إلَّا بِفَسْخٍ، وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَثْبُتْ تَعَيُّنُ الْبَيْعِ فِي وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ فَلَمْ يُفْتَقَرْ إلَى فَسْخٍ.
[فَصْلٌ كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ]
(٨٨٣٣) فَصْلٌ: وَإِذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ، صَفْقَةً وَاحِدَةً، بِعِوَضٍ وَاحِدٍ، مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ لَهُ بِأَلْفٍ صَحَّ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَإِسْحَاقُ. وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ، لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ ثَلَاثَةٍ، كَعُقُودِ ثَلَاثَةٍ، وَعِوَضُ كُلٍّ مِنْهُمْ مَجْهُولٌ، فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ بَاعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ. وَلَنَا، أَنَّ جُمْلَةَ الْعِوَضِ مَعْلُومَةٌ، وَإِنَّمَا جُهِلَ تَفْصِيلُهَا فَلَمْ تَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ، كَمَا لَوْ بَاعَهُمْ لَوَاحِدٍ. وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّ الْعِوَضَ يَكُونُ بَيْنَهُمْ عَلَى السَّوَاءِ فَقَدْ عُلِمَ أَيْضًا تَفْصِيلُ الْعِوَضِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثٌ، وَكَذَا يَقُولُ فِيمَا لَوْ بَاعَهُمْ لِثَلَاثَةٍ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتَبٌ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَلْفِ، وَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ حِينَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ الْمُعَاوَضَةِ، وَزَوَالِ سُلْطَانِ السَّيِّدِ عَنْهُمْ، فَإِذَا أَدَّاهُ، عَتَقَ. هَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيز: يَتَوَجَّهُ لِأَبِي عَبْد اللَّه قَوْلٌ آخَرُ، أَنَّ الْعِوَضَ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ، فَيَتَسَاوَوْنَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَيْهِمْ إضَافَةً وَاحِدَةً فَكَانَ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمْ بِشَيْءٍ وَلَنَا أَنَّ هَذَا عِوَضٌ فَتَقَسَّطَ عَلَى الْمُعَوِّضِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شِقْصًا وَسَيْفًا، وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبِيدًا. فَرَدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute