مَعِيبًا يَعْلَمُ عَيْبَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، فَلَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً، أَوْ دَارًا مُؤَجَّرَةً.
وَإِنْ أَتْلَفَ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ، فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ؛ لِتَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لِغَيْرِهِ، وَثَمَنُ الْمَبِيعِ، وَإِنْ تَلِفَتْ الْعَيْنُ بِتَفْرِيطِهِ، فَهُوَ كَتَلَفِهَا بِفِعْلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ. وَقَالَ: يَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ. قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ عِنْدِي، الْقَدْرُ الَّذِي نَقَصَهُ الْبَائِعُ لِأَجْلِ الشَّرْطَ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ خِلَافُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ مَا فَاتَ بِتَفْرِيطِهِ، فَضَمِنَهُ بِعِوَضِهِ، وَهُوَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، فَأَمَّا إنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ، وَلَا بِتَفْرِيطِهِ، لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ الْأَثْرَمُ: قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَعَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ حَمْلَانِ؟ قَالَ: لَا. إنَّمَا شَرَطَ هَذَا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ.
وَلِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهَا الْبَائِعُ مِنْ جِهَتِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهَا، كَمَا لَوْ تَلِفَتْ النَّخْلَةُ الْمُؤَبَّرَةُ، بِثَمَرَتِهَا أَوْ غَيْرُ الْمُؤَبَّرَةِ إذْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ثَمَرَتَهَا، وَكَمَا لَوْ بَاعَ حَائِطًا، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ شَجَرَةً بِعَيْنِهَا فَتَلِفَتْ. وَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، أَخْذًا مِنْ عُمُومِ كَلَامِ أَحْمَدَ. وَإِذَا تَلِفَتْ الْعَيْنُ، رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُبْتَاعِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ التَّفْرِيطِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
(٢٩٢٣) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ مَنْفَعَةَ الْمَبِيعِ، وَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْطِيَهُ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَبِيعِ فِي الْمَنْفَعَةِ، أَوْ يُعَوِّضُهُ عَنْهَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ، وَلَهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَبِيعِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ عَيْنًا، فَبَذَلَ لَهُ الْآخَرُ مِثْلَهَا، وَلِأَنَّ الْبَائِعَ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي اسْتِيفَاءِ مَنَافِعِ تِلْكَ الْعَيْنِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَبُولِ عِوَضِهَا. فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ، جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُمَا، وَإِنْ أَرَادَ الْبَائِعُ إعَارَةَ الْعَيْنِ، أَوْ إجَارَتَهَا لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، فَلَهُ ذَلِكَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّهَا مَنَافِعُ مُسْتَحَقَّةٌ لَهُ، فَمَلَكَ ذَلِكَ فِيهَا، كَمَنَافِعِ الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمُوصَى بِمَنَافِعِهَا، وَلَا يَجُوزُ إجَارَتُهَا إلَّا لِمِثْلِهِ فِي الِانْتِفَاعِ، فَإِنْ أَرَادَ إجَارَتَهَا أَوْ إعَارَتَهَا لِمَنْ يَضُرُّ بِالْعَيْنِ بِانْتِفَاعِهِ، لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ. كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَةُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِمَنْ لَا يَقُومُ مَقَامَهُ. ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ.
[فَصْلٌ اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَنْفَعَةَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ فَأَقَامَ الْبَائِعُ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ]
(٢٩٢٤) فَصْلٌ: إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَنْفَعَةَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ، فَأَقَامَ الْبَائِعُ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ، فَلَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ هَاهُنَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ، يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ بِنَفْسِهِ، وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ. وَإِنْ أَرَادَ بَذْلَ الْعِوَضِ عَنْ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْ الْمُشْتَرِيَ قَبُولُهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَخْذَ الْعِوَضِ عَنْهُ، لَمْ يَلْزَمْ الْبَائِعَ بَدَلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَةَ عَقْدُ تَرَاضٍ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ، احْتَمَلَ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ يَجُوزُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا، لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهَا، فَإِذَا مَلَكَهَا الْمُشْتَرِي، جَازَ لَهُ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهَا، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا، وَكَمَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْجِرَ الْمَنَافِعَ الْمُوصَى بِهَا مِنْ وَرَثَةِ الْمُوصِي، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَطٌ بِحُكْمِ الْعَادَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ، كَالْقَرْضِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ فِي الْخُبْزِ وَالْخَمِيرِ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ خُبْزِهِ وَكَسْرِهِ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ الْجَائِزَةِ، لَمْ يَجُزْ. وَلِأَنَّهُ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْ مِرْفَقٍ مُعْتَادٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute