مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْجَزَاء بِقَتْلِ الصَّيْدِ الثَّانِي، كَمَا يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا قَتَلَهُ ابْتِدَاءً. وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ؛ إحْدَاهُنَّ، أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ صَيْدٍ جَزَاءٌ.
وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ. وَبِهِ قَالَ، الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَالثَّانِيَةُ، لَا يَجِبُ إلَّا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ شُرَيْحٌ، وَالْحَسَنُ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} [المائدة: ٩٥] . وَلَمْ يُوجِبْ جَزَاءً. وَالثَّالِثَةُ، إنْ كَفَّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَعَلَيْهِ لِلثَّانِي كَفَّارَةٌ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ تَجِبُ بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فِي الْإِحْرَامِ، فَيَدْخُلُ جَزَاؤُهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ، كَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ.
وَلَنَا، أَنَّهَا كَفَّارَةٌ عَنْ قَتْلٍ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْمُبْتَدِئُ وَالْعَائِدُ، كَقَتْلِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ يَجِبُ بِهِ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ، فَأَشْبَهَ بَدَلَ مَالِ الْآدَمِيِّ. قَالَ أَحْمَدُ: رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الْخَطَأِ، وَفِي مَنْ قَتَلَ، وَلَمْ يَسْأَلُوهُ: هَلْ كَانَ قَتَلَ قَبْلَ هَذَا أَوْ لَا؟ وَإِنَّمَا هَذَا يَعْنِي لِتَخْصِيصِ الْإِحْرَامِ وَمَكَانِهِ، وَالْآيَةُ اقْتَضَتْ الْجَزَاءَ عَلَى الْعَائِدِ بِعُمُومِهَا. وَذِكْرُ الْعُقُوبَةِ فِي الثَّانِي لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: ٢٧٥] .
وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْعَائِدَ لَوْ انْتَهَى كَانَ لَهُ مَا سَلَفَ، وَأَمْرُهُ إلَى اللَّهِ. وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ جَزَاءِ الصَّيْدِ عَلَى غَيْرِهِ؛ وَلِأَنَّ جَزَاءَهُ مُقَدَّرٌ بِهِ، وَيَخْتَلِفُ بِصِغَرِهِ وَكِبَرِهِ، وَلَوْ أَتْلَفَ صَيْدَيْنِ مَعًا وَجَبَ جَزَاؤُهُمَا، فَكَذَلِكَ إذَا تَفَرَّقَا، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ.
[فَصْل إخْرَاجُ جَزَاءِ الصَّيْدِ بَعْدَ جَرْحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ]
(٢٦٨٨) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ إخْرَاجُ جَزَاءِ الصَّيْدِ بَعْدَ جَرْحِهِ وَقَبْلَ مَوْتِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ، فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْمَوْتِ، كَكَفَّارَةِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ، وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ، فَأَشْبَهَتْ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَالْيَمِينِ.
[مَسْأَلَة اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ مُحْرِمِينَ فِي قَتْلِ صَيْدٍ]
(٢٦٨٩) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَوْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ، فَعَلَيْهِمْ جَزَاءٌ وَاحِدٌ) يُرْوَى عَنْ أَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ؛ إحْدَاهُنَّ، أَنَّ الْوَاجِبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ. وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَيُرْوَى هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ.
وَالثَّانِيَةُ، عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَزَاءٌ. رَوَاهُمَا ابْنُ أَبِي مُوسَى. وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ يَدْخُلُهَا الصَّوْمُ، أَشْبَهَتْ كَفَّارَةَ قَتْلِ الْآدَمِيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute