للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا إذَا اشْتَرَى مِنْ إنْسَانٍ شَيْئًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ؛ لِأَنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ. وَإِذَا بَاعَ لَحْمًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُذَكًّى؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ، فِي الظَّاهِرِ، لَا يَبِيعُ الْمَيْتَةَ.

[فَصْلٌ بَيْع نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفِي الْقِيمَةِ مِنْ جِنْسٍ وَبِنَوْعِ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ]

(٢٨٣٧) فَصْلٌ: فَأَمَّا إنْ بَاعَ نَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْ الْقِيمَةٍ مِنْ جِنْسٍ، وَبِنَوْعٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، كَدِينَارٍ مَغْرِبِيٍّ وَدِينَارٍ سَابُورِيٍّ، بِدِينَارَيْنِ مَغْرِبِيَّيْنِ، أَوْ دِينَارٍ صَحِيحٍ وَدِينَارٍ قُرَاضَةٍ، بِدِينَارَيْنِ صَحِيحَيْنِ، أَوْ قُرَاضَتَيْنِ، أَوْ حِنْطَةٍ حَمْرَاءَ وَسَمْرَاءَ بِبَيْضَاءَ، أَوْ تَمْرًا بَرْنِيًّا وَمَعْقِلِيًّا بِإِبْرَاهِيمِيٍّ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ. وَاخْتَارَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَاَلَّتِي قَبْلَهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَقْتَضِي انْقِسَامَ الثَّمَنِ عَلَى عِوَضِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِ فِي قِيمَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَنْعُ ذَلِكَ فِي النَّقْدِ، وَتَجْوِيزُهُ فِي الثَّمَنِ. نَقَلَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّ الْأَنْوَاعَ فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ يَكْثُرُ اخْتِلَاطُهَا، وَيَشُقُّ تَمْيِيزُهَا، فَعُفِيَ عَنْهَا بِخِلَافِ الْأَثْمَانِ.

وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» . الْحَدِيثَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْبَيْعِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ الْمُرَاعَاةِ، وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَوْزُونِ وَزْنًا وَفِي الْمَكِيلِ كَيْلًا، وَلِأَنَّ الْجَوْدَةَ سَاقِطَةٌ فِي بَابِ الرِّبَوِيَّاتِ، فِيمَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ، فِيمَا لَوْ اتَّحَدَ النَّوْعُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ، فَكَذَلِكَ إذَا اخْتَلَفَا، وَاخْتِلَافُ الْقِيمَةِ يَنْبَنِي عَلَى الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ ذَهَبًا بِذَهَبِ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ، فَصَحَّ، كَمَا لَوْ اتَّفَقَ النَّوْعُ؛ وَإِنَّمَا يُقْسَمُ الْعِوَضُ عَلَى الْمُعَوَّضِ فِيمَا يَشْتَمِلُ عَلَى جِنْسَيْنِ، أَوْ فِي غَيْرِ الرِّبَوِيَّاتِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ بَاعَ نَوْعًا بِنَوْعٍ يَشْتَمِلُ عَلَى جَيِّدٍ وَرَدِيءٍ.

[فَصْلٌ بَاعَ مَا فِيهِ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ وَمَعَهُ مِنْ جِنْسِ مَا بِيعَ بِهِ]

(٢٨٣٨) فَصْلٌ: وَإِنْ بَاعَ مَا فِيهِ الرِّبَا بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَمَعَهُ مِنْ جِنْسِ مَا بِيعَ بِهِ، إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، كَدَارٍ مُمَوَّهٍ سَقْفُهَا بِالذَّهَبِ، جَازَ. لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَكَذَلِكَ لَوْ بَاعَ دَارًا بِدَارٍ مُمَوَّهٍ سَقْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، جَازَ؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ الرِّبَا غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْبَيْعِ. فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لَهُ مَالٌ، فَاشْتَرَطَ مَالَهُ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ، جَازَ إذَا كَانَ الْمَالُ غَيْرَ مَقْصُودٍ، وَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا بِعَبْدٍ، وَاشْتَرَطَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَ الْعَبْدِ الَّذِي اشْتَرَاهُ، جَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ مَالُهُ مَقْصُودًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ بِالْبَيْعِ، فَأَشْبَهَ التَّمْوِيهَ فِي السَّقْفِ، وَلِذَلِكَ لَا تُشْتَرَطُ رُؤْيَتُهُ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَلَا لُزُومِهِ، وَإِنْ بَاعَ شَاةً ذَاتَ لَبَنٍ بِلَبَنٍ، أَوْ عَلَيْهَا صُوفٌ بِصُوفِ، أَوْ بَاعَ لَبُونًا بِلَبُونٍ، وَذَاتَ صُوفٍ بِمِثْلِهَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الْجَوَازُ، اخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الشَّاةُ حَيَّةً أَوْ مُذَكَّاةً؛ لِأَنَّ مَا فِيهِ الرِّبَا غَيْرُ مَقْصُودٍ، فَلَمْ يَمْنَعْ، كَالدَّارِ الْمُمَوَّهِ سَقْفُهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>