للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ الْمَاءُ إلَى السَّطْحِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ.

وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى هَذَا، وَيَجُوزُ الْعَقْدُ عَلَى الْمَنْفَعَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ، كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَلَا يَمْلِكُ صَاحِبُ الْمَاءِ مَجْرَاهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَسْتَوْفِي بِهِ مَنَافِعَ الْمَجْرَى دَائِمًا، وَلَا فِي أَكْثَرِ الْمُدَّةِ، بِخِلَافِ السَّاقِيَةِ، وَيَخْتَلِفَانِ أَيْضًا فِي أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي فِي السَّاقِيَّةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى مَا يُقَدَّرُ بِهِ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَ ذَلِكَ حَصَلَ بِتَقْدِيرِ السَّاقِيَةِ، فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يُجْرِيَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ مَائِهَا، وَالْمَاءُ الَّذِي عَلَى السَّطْحِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ السَّطْحِ؛ لِأَنَّهُ يَجْرِي مِنْهُ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ.

وَإِنْ كَانَ السَّطْحُ الَّذِي يَجْرِي عَلَيْهِ الْمَاءُ مُسْتَأْجَرًا، أَوْ عَارِيَّةً مَعَ إنْسَانٍ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَالِحَ عَلَى إجْرَاءِ الْمَاءِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِ بِخِلَافِ الْمَاءِ فِي السَّاقِيَةِ الْمَحْفُورَةِ، فَإِنَّ الْأَرْضَ لَا تَتَضَرَّرُ بِهِ. وَإِنْ كَانَ مَاءُ السَّطْحِ يَجْرِي عَلَى أَرْضٍ، احْتَمَلَ أَنْ لَا يَجُوزَ لَهُ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنْ احْتَاجَ إلَى حَفْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ أَرْضَ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ يَجْعَلُ لِغَيْرِ صَاحِبِ الْأَرْضِ رَسْمًا، فَرُبَّمَا ادَّعَى اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِهَا. وَاحْتَمَلَ الْجَوَازَ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى حَفْرٍ، وَلَمْ تَكُنْ فِيهِ مَضَرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي سَاقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ، وَلَا يَجُوزُ إلَّا مُدَّةً لَا تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ إجَارَتِهِ، كَمَا قُلْنَا فِي إجْرَاءِ الْمَاءِ فِي السَّاقِيَةِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ]

(٣٥١٤) فَصْلٌ: وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُجْرِيَ مَاءً فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَرْضٌ لِلزِّرَاعَةِ، لَهَا مَاءٌ لَا طَرِيقَ لَهُ إلَّا أَرْضُ جَارِهِ، فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا، لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ لَمْ تَدْعُ إلَيْهِ ضَرُورَةٌ، وَلِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَاجَةِ لَا تُبِيحُ مَالَ غَيْرِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ لَهُ الزَّرْعُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَلَا الْبِنَاءُ فِيهَا، وَلَا الِانْتِفَاعُ بِشَيْءِ مِنْ مَنَافِعِهَا الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ قَبْل هَذِهِ الْحَاجَةِ.

وَالْأُخْرَى يَجُوزُ؛ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ خَلِيفَةَ سَاقَ خَلِيجًا مِنْ الْعَرِيضِ، فَأَرَادَ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَأَبَى، فَقَالَ لَهُ الضَّحَّاكُ: لِمَ تَمْنَعُنِي وَهُوَ مَنْفَعَةٌ لَك، تَشْرَبُهُ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَلَا يَضُرُّك؟ فَأَبَى مُحَمَّدٌ، فَكَلَّمَ فِيهِ الضَّحَّاكُ عُمَرَ، فَدَعَا مُحَمَّدَ بْن مَسْلَمَةَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُخَلِّيَ سَبِيلَهُ. فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وَاَللَّهِ. فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لِمَ تَمْنَعُ أَخَاك مَا يَنْفَعُهُ، وَهُوَ لَك نَافِعٌ، تَشْرَبُهُ أَوَّلًا وَآخِرًا؟ فَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا وَاَللَّهِ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ، فَفَعَلَهُ. رَوَاهُ مَالِكٌ فِي " مُوَطَّئِهِ "، وَسَعِيدٌ فِي " سُنَنِهِ ". وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، وَقَوْلُ عُمَرَ يُخَالِفُهُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنُ مَسْلَمَةَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأُصُولِ، فَكَانَ أَوْلَى.

[فَصْل صَالِح رَجُلًا عَلَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ نَهْرِ الرَّجُلِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ]

(٣٥١٥) فَصْلٌ: وَإِنْ صَالَحَ رَجُلًا عَلَى أَنْ يَسْقِيَ أَرْضَهُ مِنْ نَهْرِ الرَّجُلِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، أَوْ مِنْ عَيْنِهِ، وَقَدَّرَهُ بِشَيْءٍ يُعْلَمُ بِهِ، فَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ بِمَمْلُوكِ، وَلَا يَجُوزُ؛ بَيْعُهُ، فَلَا يَجُوزُ

<<  <  ج: ص:  >  >>