للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة حَلَفَ أَلَا يَأْكُلُ لَحْمًا وَلَمْ يُرِدْ لَحْمًا بِعَيْنِهِ]

(٨١٥٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَإِذَا حَلَفَ أَلَّا يَأْكُلَ لَحْمًا، وَلَمْ يُرِدْ لَحْمًا بِعَيْنِهِ، فَأَكَلَ مِنْ لَحْمِ الْأَنْعَامِ، أَوْ الطُّيُورِ، أَوْ السَّمَكِ، حَنِثَ) أَمَّا إذَا أَكَلَ مِنْ لَحْمِ الْأَنْعَامِ أَوْ الصَّيْدِ أَوْ الطَّائِرِ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ.

وَأَمَّا السَّمَكُ، فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِأَكْلِهِ. وَبِهَذَا قَالَ قَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو يُوسُفَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى، فِي " الْإِرْشَادِ ": لَا يَحْنَثُ بِهِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ إطْلَاقُ اسْمِ اللَّحْمِ، وَلَوْ وَكَّلَ وَكِيلًا فِي شِرَاءِ اللَّحْمِ، فَاشْتَرَى لَهُ سَمَكًا، لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَصِحُّ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ الِاسْمَ، فَيَقُولَ: مَا أَكَلْت لَحْمًا، وَإِنَّمَا أَكَلْت سَمَكًا.

فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ الْحِنْثُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ: لَا قَعَدْت تَحْتَ سَقْفٍ. فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِالْقُعُودِ تَحْتَ السَّمَاءِ، وَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى {سَقْفًا مَحْفُوظًا} [الأنبياء: ٣٢] لِأَنَّهُ مَجَازٌ، كَذَا هَاهُنَا. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا} [النحل: ١٤] . وَقَالَ: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا} [فاطر: ١٢] . وَلِأَنَّهُ مِنْ جِسْمِ حَيَوَانٍ، وَيُسَمَّى لَحْمًا، فَحَنِثَ بِأَكْلِهِ، كَلَحْمِ الطَّائِرِ، وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِلَحْمِ الطَّائِرِ.

وَأَمَّا السَّمَاءُ، فَإِنَّ الْحَالِفَ أَلَّا يَقْعُدَ تَحْتَ سَقْفٍ، لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ مِنْ الْقُعُودِ تَحْتَهَا، فَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهَا بِيَمِينِهِ، وَلِأَنَّ التَّسْمِيَةَ ثَمَّ مَجَازٌ، وَهَا هُنَا هِيَ حَقِيقَةٌ؛ لِكَوْنِهِ مِنْ جِسْمِ حَيَوَانٍ يَصْلُحُ لِلْأَكْلِ، فَكَانَ الِاسْمُ فِيهِ حَقِيقَةً، كَلَحْمِ الطَّائِرِ، حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: ٢١] .

(٨١٥١) فَصْلٌ: وَيَحْنَثُ بِأَكْلِ اللَّحْمِ الْمُحَرَّمِ، كَلَحْمِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمَغْصُوبِ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: لَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الْمُحَرَّمِ بِأَصْلِهِ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ تَنْصَرِفُ إلَى مَا يَحِلُّ لَا إلَى مَا يَحْرُمُ، فَلَمْ يَحْنَثْ بِمَا لَا يَحِلُّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، فَبَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا، لَمْ يَحْنَثْ.

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا لَحْمٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، فَيَحْنَثُ بِأَكْلِهِ، كَالْمَغْصُوبِ، وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - لَحْمًا، فَقَالَ: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: ١٧٣] . وَمَا ذَكَرُوهُ يَبْطُلُ بِمَا إذَا حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا، فَلَبِسَ ثَوْبَ حَرِيرٍ. وَأَمَّا الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، فَلَا يَحْنَثُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ فِي الْحَقِيقَةِ.

[فَصْلٌ وَالْأَسْمَاء فِي كِتَاب الْأَيْمَان تَنْقَسِم إلَى سِتَّةِ أَقْسَام الْيَمِين]

(٨١٥٢) فَصْلٌ: وَالْأَسْمَاءُ تَنْقَسِمُ إلَى سِتَّةِ أَقْسَامٍ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>